للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قتل النفس التي حرم الله]

من هذه الذنوب: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وهذا الذنب بالذات من الأشياء المختلف في خلود صاحبها في النار، لكن عموم أهل السنة والراجح: أن قاتل النفس ليس مخلداً في النار، بل هو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:٩٣]، فلا يجوز أبداً قتل النفس التي حرم الله إلا بإحدى ثلاثة أفعال كما جاء في الحديث المتفق عليه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس -قصاص-، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، يعني: المرتد المفارق لجماعة المسلمين، ومما يؤسف له تلاعب بعض الجماعات الجاهلة والمبتدعة بمثل هذه النصوص، فيستدلون بهذه النصوص التي وردت بشأن جماعة أهل الإسلام وجماعة المسلمين في حق جماعتهم، فإن من يخرج عن جماعتهم يستحلون قتله، بسبب سوء فهمهم لمثل هذا النص، كما حصل من جماعة التكفير والهجرة، أو بتعبير أدق كما كانت تسمي نفسها: جماعة المسلمين، بمعنى أنهم هم جماعة المسلمين ومن لم يدخل في جماعتهم ويبايع أميرهم فليس من المسلمين، وهو خارج عن الإسلام وكافر، ويجب الانتماء لهذه الجماعة حتى تكون مسلماً، فهذا أيضاً من التلاعب بنصوص الوحي من السنة الشريفة، إنما المقصود بقوله: (التارك لدينه المفارق للجماعة)، ما جاء في الرواية الأخرى: (قتل النفس التي حرم الله، أو زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لم يزل المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله).

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون أن يقاتل المسلمين بعضهم بعضاً، وأخبر أن القاتل والمقتول في النار، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)، ولذلك فإن ذلك العبد الصالح ابن آدم أبى أن يقاتل أخاه خشية أن يكون من أهل النار، فباء القاتل بإثمه وإثم أخيه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٢٧ - ٢٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>