للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فرح الله بتوبة عبده]

من رحمة الله إرسال الرسل حتى يدلونا على هذه الأبواب، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه -أي: هربت منه الراحلة -وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته- يعني: جلس ينتظر الموت فبينا هو كذلك فإذا بها قائمة عنده فأخذ بخطامها) كم تكون فرحة هذا الرجل؟! ليس هناك شك أنها فرحة عظيمة جداً، فالله عز وجل أشد فرحاً بالعبد إذا تاب من هذا الرجل الذي أشرف على الهلاك، ثم وجد راحلته وعاد له الأمل في الحياة، فانظر كيف تكون رحمته؟ ثم تأمل قوله: (أشد فرحاً)؛ فانظر كيف يحبك الله؟! كيف يريد بك الخير؟! كيف يفرح بك إذا أقبلت عليه تبارك وتعالى؟! ثم إن هذا الرجل لما استيقظ ورأى راحلته أخطأ من شدة الفرح، فقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: أخطأ من شدة الفرح)، فانظر إلى شدة فرحه التي أذهبت ضبطه لنفسه حتى نطق بهذه العبارة الشديدة.

أيضاً يحكي النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه عز وجل قال: (أذنب عبدي ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك!)، قوله: (اعمل ما شئت) ليس المقصود: افعل ما شئت من المعاصي فقد غفرت لك، كلا! هذا من الاغترار بالله، لكن المقصود أن الله علم من هذا العبد أنه رجاع تواب، كلما أذنب تاب واستغفر ولا يصر على المعاصي، فلذلك غفر الله تبارك وتعالى له.

<<  <  ج: ص:  >  >>