للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسالك تقرير حد الإسلام عند الكاتب]

نعود إلى الكلام الذي ساقه في مقدمة المسلك الإجمالي ثم التفصيلي في بيان حد الإسلام، فقد سلك مسلكين في تقرير حد الإسلام: أولاً: مسلك الإجمال.

ثانياً: مسلك التفصيل.

مسلك الإجمال هو أن حد الإسلام ذو شقين أو ركنين: تصديق خبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جملة وعلى الغيب، والتزام شريعته صلى الله عليه وآله وسلم جملة وعلى الغيب.

وذكر في موضع آخر أن هذين الشقين هما حد الإسلام، فقال في بيان العلاقة بين الأصل والفروع: لا يقبل ركن من أركان الحد بغير الركن الآخر، فلا يقبل تصديق بغير التزام، ولا التزام بغير تصديق، فلابد من استيفاء الحد كله لاستحقاق الاسم والصفة، وتخلف ركن من أركان الأصل يتخلف به الأصل، والدين يتخلف بتخلف الأصل، أما الفروع فالغالب فيها أن لا تلازم بينها في الفرائض والواجبات، وإتيان الواجبات وترك المحرمات يمكن أن يتخلف بعضها دون أن تنقض أصل الإسلام بالكلية.

هذا فيما يتعلق بمسلكه الإجمالي.

أما عن المسلك التفصيلي: فإنه حينما فصّل حد الإسلام وضع له ثلاثة أركان، هي: توحيد الحكم، والولاية، والعبادة أو النسك.

فعند حديثه عن أركان توحيد العبادة قرر أنها ثلاثة، فسلك مسلكاً مفصلاً فقال: هي نفي النسك عن غير الله عز وجل، ثم هي قبول شرع الله ونفي ما سواه، وإفراد الله تبارك وتعالى بالولاية.

وأراد أن يفصل هذا الأمر فقال: أصل الدين وحد الإسلام سواء علينا سميناه: الإيمان، أو الإسلام، أو التوحيد، أو الدين، أو إفراد الله بالعبادة، فمسماه واحد لا يختلف باختلاف الإسماء.

وبالنسبة لهذا المسلك الثاني -وهو مسلك التفصيل لم يقتصر الكاتب هنا على مجرد الاعتقاد المجمل للألوهية، وإنما تجاوز ذلك إلى عمل استقراء لما يندرج تحت توحيد الألوهية من المفردات، وجعل هذه المفردات الثلاثة مرتبطة بما سماه (حد الإسلام) الذي لا تثبت صفة الإسلام قبل استيفائه، والذي لا يعذر فيه أحد بالجهل كائناً من كان، بل من كان عليه كان مسلماً، ومن لم يكن عليه كان كافراً، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل؛ لأنه مما لا يتوقف الحكم به.

وتقسيم الناس على أساسه إلى بلاغ أو إعراض، فلم يقتصر في هذا المسلك التفصيلي على الاعتقاد المجمل للألوهية، وإنما تناول ما يندرج تحته من تفاصيل العبادة، فتحت البند الأول في المسلك التفصيلي ذكر نفي النسك عن غير الله عز وجل، وبهذا دخلت تحت هذا البند كافة صور العبادة: من دعاء، واستغاثة، ونذر، وذبح، وتوكل، ورغبة، ورهبة، وخوف، ورجاء، وإنابة، وغير ذلك.

ودخل تحت البند الثاني -أي: نفي الحكم عن غير الله عز وجل- كل صور تبديل الشرائع، والحكم بغير ما أنزل الله عز وجل.

ودخلت تحت البند الثالث -أي: نفي الولاية عن غير الله عز وجل- كافة صور الموالاة لأعداء الله الجلية والخفية بجميع شعبها وأنواعها.

فلا تثبت عنده للمرء صفة الإسلام بادئ ذي بدء إلا باستيفاء هذه الأركان: من شهد الشهادتين، واستوفى مثلاً الإقرار والفهم والالتزام بقضية توحيد النسك وتوحيد الولاية، لكن إن كان عنده خلل في بعض أجزاء قضية الحاكمية مثلاً، فهذا لا يقول: إنه ارتد بعد الإسلام، بل يقول إنه لم يدخل أصلاً في الإسلام، ولم يَصر مسلماً بسبب تخلف بعض هذه الأركان، فلا يثبت للمرء صفة الإسلام بادئ ذي بدء إلا باستيفاء هذه الأركان، وتصحيح اعتقاده في كل ما يندرج تحتها من تفصيلات.

<<  <  ج: ص:  >  >>