للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علاقة الحاكمية بالتوحيد]

إن الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده فهو أن ينكر هذه المنكرات، وأن يصحح عقيدته في هذه القضايا، ويعلم الحق فيها من الباطل، فقضية الحكم بما أنزل الله من القضايا التي تمس العقيدة من حيث إنها ركن من أركان قضية التوحيد، ولا نقول: إنها كل قضية التوحيد، بحيث نحصر معنى العبادة في قضية الحاكمية كما يحصل من كثير من الاتجاهات الإسلامية، خاصة ممن تأثروا بكتابات بعض الأفراد من المتأخرين الذين وضعوا على أعينهم منظاراً اسمه الحاكمية، ونظروا من خلال الحاكمية إلى كل نصوص القرآن وكل قضايا الإسلام، وبالتالي أهملوا كثيراً من القضايا الحيوية التي تمس العقيدة، وكثيراً جداً من قضايا التوحيد المهمة في بنية المسلم.

إن منهج النظر من خلال منظار الحاكمية له اتجاهات شتى بين الجماعات الإسلامية، وبالذات عند الشيخ سيد قطب رحمه الله، وعند المودودي اللذين كان لبعض كتابتهما أثر كبير في أن أساء كثير من الشباب فهم كلامهما، فبالتالي وضعوا من هذه المواضع التي فيها نظر أسساً وأصلوا أصولاً وقواعد قد يكون فيه شيء من النظر.

فنحن نركز على بيان قضية الحاكمية كاعتقاد وتصور يجب أن يحتفظ به كل مسلم في قلبه، ويعقد عليه قلبه حتى يصحح هفوته كما يصححها في كل قضايا التوحيد، فإن الله تبارك وتعالى وصف من أشرك به في العبادة بالشرك، وكذلك من أشرك بالله في الحكم أيضاً وصفه بأنه مشرك، قال عز وجل: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:٢٦]، فالحلال حلال الله والحرام حرام الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غير الله باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه، فمن قدم القوانين الوضعية أو أي تشريع يخالف شرع الله تبارك وتعالى على شرع الله، سواء اعتقد أنه مثل شرع الله أو أنهما سواء، فضلاً عن أن يعتقد أنه أفضل من شرع الله، فهذا لا نزاع في كفره وخروجه من الملة، وكل من أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرعه الله فقد أشرك به مع الله، وإن كان أعطاه حق التشريع فهو يقع تحت قوله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام:١٣٧]، فسماهم شركاء لما أطاعوهم في قتل الأولاد، وقال عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١]، فقد سمى الله تعالى الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله شركاء، أيضاً الشيطان سيقول للذين كانوا يشركون به في الدنيا: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢]، وبين في نفس الآيات في سورة إبراهيم أن هذا الإشراك لم يكن زائداً على مجرد أنه أمرهم فأطاعوه: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي} [إبراهيم:٢٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>