للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اتجاهات التكفير نشأتها وتطورها]

بقي في قضية المنهج عند سيد قطب رحمه الله كلام نضيفه من كتاب المستشار سالم علي البهنساوي، والكتاب يحمل عنوان: (الحكم وقضية تكفير المسلم)، تكلم فيه عن بدء نشوء اتجاهات التكفير في الستينات، وذكر أن بعض هؤلاء الشباب انتهوا في حماسهم إلى القول بمقاطعة المجتمع الذي يعيشون فيه حتى لو صلى أفراده وصاموا وحجوا، وهذه المقاطعة تتمثل في أمور الانعزال، مثل: مقاطعة المساجد؛ لأن الصلاة فيها خلف أئمتها تتضمن الشهادة لهم بالإيمان وهم كافرون.

وكذلك الهجرة إلى الصحراء أو الكهوف والجبال؛ لأن ذلك هو السبيل الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم لإقامة دولة الإسلام.

وكذلك التوقف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن المجتمعات كافرة، وليس بعد الكفر ذنب، بل عدم المساهمة في أي إنتاج؛ لأن ذلك يؤدي إلى تماسك المجتمع الجاهلي.

ثم ذكر -أيضاً- بعض العبارات التي اعتمد عليها هؤلاء الشباب من كلام سيد قطب رحمه الله في الظلال والمودوي أيضاً في كتابه: (المصطلحات الأربعة).

إن موطن الداء في هذه القضية هو الشبهات التي أثارها كل من الشهيد سيد قطب وأستاذنا المودودي رحمهما الله، أو غيرهما ممن يصفون المجتمعات بالجاهلية، فقد علمنا أن هذا الوصف قد يراد به جاهلية الكفر والاعتقاد، كما في قول الله عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠].

وقد يطلق على المجتمعات المؤمنة، وهنا يراد به جاهلية المعصية والعمل، وذكر مثالاً على هذا قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الأحزاب:٣٣]، فلو أن امرأة مسلمة مؤمنة موحدة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكنها متبرجة، وتصلي إذا جاء وقت الصلاة وتغطي نفسها وتصلي، فهل تكون كافرة مثل التي لم تشهد الشهادتين؟! هي لم تستحل معصية التبرج، ولكنها قبلت عقيدة الإسلام، وشهدت الشاهدتين، فهل هذه تعتبر كافرة؟! نعم يصدق عليها تبرج الجاهلية الذي جاء في القرآن، لكن هل تصير كافرة بمجرد فعل التبرج وإن لم تستحله؟! فهذا فعل من أفعال الجاهلية، ولذلك ترجم البخاري وبوب لبعض الأحاديث فقال: (باب المعاصي من أمر الجاهلية)، واستشهد بحديث أبي ذر، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية).

لكن شكري مصطفى وأشياعه فهموها على أن هذه جاهلية الكفر والخروج من الملة، والمقصود أن هذا خلق من أخلاق الجاهلية، وفرق بين أن تصف شخصاً بأنه جاهلي كافر وثني مشرك وبين أ، تصفه بأن فيه جاهلية.

والعجيب أنهم انتهوا إلى كفر الإمام البخاري نفسه، كما صنع شكري مصطفى لما قال بنفسه: نقبل الأحاديث ولكن هو كافر، وأي أحد يقول: هناك كفر دون كفر فهو خارج الدائرة تماماً، وكافر وخارج من الملة.

وقد كنت أناقش بعضهم، وهو الآن في أعلى المناصب في جماعة التكفير، وكان زميلاً لي في الثانوية، كنت أناقشه في بداية ارتباطي بهذه الجامعة، فكنت أقول له: قال الإمام النووي كذا وكذا فيسخر من الإمام النووي رحمه الله تعالى، فالاستخفاف بالعلماء، وتكفير العلماء، وتكفير الأمة منذ قرون عديدة، ودعوى أنها ما عرفت إسلاماً، وأنها كانت تنتظر حتى تأتي هذه الطائفة المنقذة ليولد الإسلام من جديد هذا ضلال مبين، هذا مع شدتهم على أهل الإسلام، كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام في صفة الخوارج: (يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) فتجد الشدة والغلظة والجفاء مع أهل الإسلام، وتجد الرقة مع أهل الأوثان.

<<  <  ج: ص:  >  >>