للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول بامتحان أهل الفترة في عرصات القيامة]

فمن دخل النار كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها فقد عصا الله تعالى، فيدخله الله فيها، وهذا القول قال به السلف، وجمهور الأئمة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله، والحافظ ابن كثير تلميذه، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وحكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وقال به الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله، واختاره الإمام الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في (أضواء البيان).

واستدل هؤلاء القائلين بأن أهل الفترة يمتحنون في عرصات القيامة بالأدلة التالية: أولاً: الحديث الذي أورده الإمام أحمد في مسنده عن الأسود بن سريع التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة، فأما الأصم فيقول: رب! قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً.

وأما الأحمق فيقول: رب! قد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر.

وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً.

وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب! ما أتاني كتاب ولا رسول.

فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن: ادخلوا النار.

فو الذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً).

وهذا الحديث رواه الطبراني بنحوه، وفي آخره (فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سحب إليها)، ورجال الإمام أحمد رجال الصحيح، كما في (مجمع الزوائد).

واستدلوا -كذلك- بالحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، وبالمعتوه، وبمن مات في الفترة، وبالشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار: ابرزي.

فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم.

قال: ويقول لهم: ادخلوا هذه.

ويقول من كتب عليه الشقاء: أنى ندخلها ومنها كنا نفر؟! فيقول الله: فأنتم لرسلي أشد تكذيباً) أي: إذا كنتم كذبتموني فكيف لو كنت بعثت إليكم رسلاً في الدنيا؟! سوف تكونون أشد تكذيباً لرسل الله، قال: (وأما من كتب عليه السعادة فيمضي فيقتحم فيها، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء إلى النار)، رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، وفيه الليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب ولا رسول.

ويقول: المعتوه: أي رب! لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيراً ولا شراً.

ويقول المولود: لم أدرك العمل قال: فيرفع لهم النار فيقال: ردوها -أو قال: ادخلوها- فيدخلها من كان في علم الله سعيداً أن لو أدرك العمل، قال: ويمسك عنها من كان في علم الله شقياً أن لو أدرك العمل، فيقول الله تبارك وتعالى: إياي عصيتم، فكيف برسولي بالغيب؟!)، رواه البزار، وفيه عطية وهو ضعيف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيراً، فيقول الممسوخ عقلاً: يا رب! لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد مني.

ويقول الهالك في الفترة: يا رب! لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه عهد بأسعد بعهده مني.

ويقول الهالك صغيراً: لو آتيني عمراً ما كان من آتيتُه عمراً بأسعد مني.

فيقول الرب: إني آمركم بأمر فتطيعوني؟ فيقولون: نعم وعزتك.

فيقول: اذهبوا إلى النار.

فلو دخلوها ما ضرتهم، فيخرج عليهم قوابس - جمع قبس، وهي قطع من النار- يظنون أنها أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعاً فيقولون: خرجنا -يا رب- نريد دخولها فخرجت علينا قوابس ظننا أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء.

فيأمرهم ثانية، فيرجعون كذلك، فيقولون مثل قولهم، فيقول تبارك وتعالى: قبل أن تخلقوا علمت ما أنتم عاملون، وإلى علمي تصيرون.

فتأخذهم النار)، رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه عمرو بن واقد، وهو متروك، قال عنه البخاري: رمي بالكذب.

وبقية رجال الحديث رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>