للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إخلاص الدعوة لله]

أولا: الدعوة التي تعلن فيه، حيث اشترطوا بتسميته مسجداً لله أن تكون الدعوة فيه خالصة لله وحده، وهل المسلمون الذين يصلون في المساجد يعبدون المسيح بن مريم، أو يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، أو يعبدون بوذا؟! إنهم يعبدون الله وقد قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨].

فإذا وقع في بعض المساجد دعاء غير الله وعبادة غير الله -كما يحصل في المساجد المبنية على القبور التي تعبد فيها الموتى من دون الله، وتذبح لهم الذبائح، ويطاف بقبورهم، ويتمسح بأعتابهم- فهذا منكر، ونقول كما قال العلماء: إن هذه المساجد مبنية على لعنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

فدين الإسلام لا يجتمع فيه مسجد وقبر أبداً، والحكم يكون للسابق، فإذا كان الأصل المسجد وبني عليه قبر فإنه ينبش القبر وينقل إلى قبور المسلمين، وإن كان العكس فالعكس، هذا إذا كان مجرد قبر، فما بالك إذا كان يتخذ لعبادة غير الله؟! فهذا شيء حقيقي وواقع، فلا بأس بتطبيق هذا على مثل ذلك، أما أصل المساجد الموجودة في بلاد المسلمين فإنه -لله الحمد- لا يعبد فيها إلا الله عز وجل، ويرتفع فيها الأذان بشهادة الحق وشهادة التوحيد.

فهذا هو أول شرط عندهم، وهو أن تكون الدعوة خالصة لله وحده، وما معنى أن تكون الدعوة خالصة لله وحده؟! معناه أنها لن تكون كذلك إلا إذا كانت على دعوتهم، فهي الوحيدة التي تستحق هذا الوصف العظيم.

ودليلهم على هذا الشرط قول الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨]، فيقولون: إن المسجد لا يصح أن نسميه مسجداً لله حتى ننظر في الدعوة التي يدعى إليها فيه، فهل هي لله خالصة أم لا؟ ونقول: إن التسمية قد لحقت بالمسجد قبل أن يدعى المسجد، فسمي مسجداً رغم أنوفهم أجمعين منذ وقفه صاحب الأرض وقال: هذه أرض لله موقوفة ليبنى عليها مسجد.

فيصير مسجداً منذ هذه اللحظة، وقبل أن يقوم أحد فيه بالدعاء لله عز وجل.

ومن زعم أن تسميته مسجداً لله لا تجوز من هذه اللحظة، وإنما يفرض إرجاء التسمية مدة من الزمن فقد ضل.

فهم يقولون: إننا لا نحكم على مثل هذا المسجد بأنه مسجد حتى تمر مدة فترة امتحان واختبار، فننظر في خطيب المسجد يوم الجمعة، ثم نقوم وندرس خطبته، وفي ضوء نتيجة هذا التقييم تكون التسمية من عدمها.

يقول: أقول: من زعم ذلك فليأتنا ببرهان ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا فاشتراطه باطل، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو رد وإن كان مائة شرط).

يقول: وتظل تسميته مسجداً لله مصاحبة له ما بقي مخصصاً لهذا الغرض ما دام بناؤه شرعياً منذ اللحظة الأولى، أعني: لم يبن على قبر -مثلاً- لوجود نهي عن ذلك، فإذا افترضنا أن مسجداً من مساجد الله بناه رجل من المسلمين الصالحين لوجه الله، ثم اعتلى منبره خطيب جاهل أو منافق فكانت خطبته تحتوي على خلط في أحكام الله، أو تملقاً لحاكم أو كبير فإن وزر هذا الخطيب يقع على نفسه، وعلى من لم ينكر عليه بأي صورة من صور الإنكار المعروفة، ولا يمس البناء شيء تماماً، كما لو حدث أن اعتلى المنبر أحد رجال فرقة التكفير ودعا إلى هذه الافتراءات التي يفترونها على دين الله، فإننا حينئذ لن نقول له: إن هذا المسجد قد أصبح مسجد ضرار، وإنما كل الذي يمكن أن يحدث أن المصلين يقومون فيضربونه ويطردونه من المسجد، ولكن المصلين قد لا يفعلون ذلك إذا كان الخطيب يتملق لحاكم على حساب دين الله إيثاراً منهم للسلامة وخوفاً مما لا يحمد عقباه، ويكتفون -مثلاً- بالإنكار القلبي، وقد يكون بعضهم منافقاً مثل الخطيب تماماً فتتلاقى الأرواح، ويفتقد حتى الإنكار القلبي الذي هو أضعف الإيمان.

يقول: والذي أريد أن أقوله أن هذا التغيير باليد أو اللسان أو القلب، أو حتى في حالة النفاق الذي يفتقد الإنكار القلبي أيضاً، فإنه لا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا يتحمل المسجد منه شيئاً، فإذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أن ينشد المسلم ضالته في المسجد فيقول: من يدلني على هذا الشيء الذي ضاع مني؟ فلو قام رجل أو رجال ففعلوا ذلك الأمر المنهي عنه فإن وزرهم على أنفسهم، كما أن الخطيب منهي عن أن يتملق لمنافق، وهذا لا يؤثر في المسجد بشيء تماماً، كما لا يؤثر لو أن رجلاً قام فنشد الضالة أو باع وابتاع في المسجد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فهل معنى ذلك أن المسجد صار سوقاً؟! هل هذا يغير صفة المسجد من حيث كونه مسجداً؟! يقول: ولا يصح أن يقال: إن المسجد أصبح ضراراً لوجود هذه المخالفة أو تلك، فلقد كان المشركون يزحمون المسجد الحرام بالأصنام، فما تحول المسجد عن كونه مسجداً لله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه رغم وجود هذه الأصنام المعبودة من دون الله، وكل الذي حدث أن المسلمين قد كلفوا حين القدرة بإزالة تلك المنكرات من بيوت الله وتحطيمها بعد أن جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>