للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفسق على قاعدة أهل السنة]

كما سمي الكافر كفراً أكبر ظالماً يسمى أيضاً فاسقاً، كما في قوله تبارك وتعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة:٢٦ - ٢٧]، فهذا الفسق فسق أكبر مخرج من الملة.

ويقول تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [البقرة:٩٩]، فهذا فسق أكبر، وهو كثير في القرآن، وليس الفسق كله أكبر، فهناك فسق دون فسق، كما في قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:٦]، فهذا فسق لكنه فسق دون فسق.

كذلك قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة:٢٨٢].

وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٤]، فمن قذف المحصنات وصف بالفسق، لكن هل هو الفسق الأكبر المخرج من الملة؟ كلا.

والدليل: أن إقامة الحد عليه دون حد المرتد، ولو أن الذي يقذف المحصنات يصير فاسقاً فسقاً أكبر مخرجاً من الملة، فلو أقيم عليه حد لكان حد الردة لحديث: (من بدل دينه فاقتلوه)، لكن حد هذا جلد ثمانين جلدة، وهو حد القاذف، فدل على أنه مسلم.

على أي الأحوال: من الأبحاث المهمة: أن بعض الأفعال اختلف علماء أهل السنة في أنها إذا تركت ينقض الإيمان، مثل ترك الإنسان شيئاً من أركان الإسلام بلا جحود، فهذه مسائل خلاف، مثل ترك الصلاة أو الزكاة أو الحج أو غير ذلك، لكنه كافر كفراً أكبر إذا جحدها، أما إذا تركها تكاسلاً أو اتباعاً للهوى أو بخلاً أو نحو هذا؛ فهناك خلاف بين العلماء، والخلاف الحاصل في تارك الصلاة أقوى من الخلاف في غيرها، وجمهور العلماء لا يكفرون تارك الصلاة كفراً يخرجه من الملة، مع اتفاقهم على أنه أشد وزراً من السارق والزاني وقاتل النفس وشارب الخمر والمرابي، فكل هذه الآثام ترك الصلاة أشد إثماً منها، وهذا على قول من لا يكفره.

أما تارك الزكاة فالأقرب -والله أعلم- أنه لا يكفر بذلك إلا إذا جحد، وكذلك تارك الحج وسائر الأركان.

يقول الله تبارك وتعالى عن إبليس: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:٥٠]، ففسق إبليس هل كان فسقاً أكبر أم كان فسقاً دون فسق؟ هو فسق أكبر.

ويقول تبارك وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:١٩٧]، فهل هذا الفسوق كفسق إبليس؟ وهل هذا الفسوق كقوله: (والكافرون هم الفاسقون)؟ كلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>