للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استخلاف الحكم بن عبد الرحمن الناصر بعد أبيه]

استخلف عبد الرحمن على الحكم ابنه الحكم بن عبد الرحمن الناصر، والذي تولى من سنة (٣٥٠هـ - ٣٦٦هـ)، وفي عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر حدثت في الأندلس نهضة علمية غير مسبوقة، فقد كان الحكم بن عبد الرحمن الناصر عالماً من العلماء، ولا غرو فهو ابن عبد الرحمن الناصر رحمه الله، تولى الحكم وهو يبلغ من العمر (٤٧) سنة، وكانوا يلقبونه بعاشق الكتب، وهو الذي أنشأ المكتبة الأموية، أعظم مكتبات القرون الوسطى على الإطلاق، وكانت تنافس مكتبة قرطبة ومكتبة بغداد، واستجلب لها أعظم الكتب من كل مكان في العالم، وكان يدفع فيها الآلاف من الدنانير، وكان له عمال وظيفتهم فقط أن يجمعوا الكتب من مشارق الأرض ومغاربها، ومن بلاد المسلمين ومن غير بلاد المسلمين، فإن أتوا بكتاب في الطب، أو الفلك، أو الهندسة أو غيرها من أي بلد من بلاد غير المسلمين ترجم فوراً، وضم إلى المكتبة الأموية، وكان يشتري الكتب مهما بالغ الناس في أسعارها، حتى إنه أحضر النسخة الأولى من كتاب الأغاني للأصفهاني، وهو كتاب في الأدب، وأصفهان تقع الآن في إيران، وكثر النسخ في عصره رحمه الله، وكان النسخ في عصره وظيفة النساء في البيوت، واشتهرت نساء الأندلس بحسن خط اليد، أما الرجال فهم مشغولون في الجهاد، وفي نشر العلم، وفي البناء والمعمار، وكثرت صناعة الورق والكتب والتجليد والأحبار في الأندلس، حتى كان باباوات إيطاليات يشترون الورق من الأندلس؛ ليكتبوا عليها أناجيلهم، وكذلك كل دول أوروبا كانت تستورد أشياء كثيرة جداً من بلاد الأندلس، وقد وسع الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله المكتبة، وجعل لها أروقة عظيمة لتستوعب كثرة الحضور من المسلمين، وزاد التعليم للناس بشدة، حتى أصبح في ذلك الزمان، أي: قبل ألف عام كان كل أهل الأندلس يتعلمون القراءة والكتابة حتى اختفت الأمية تماماً في هذا العهد السحيق في تاريخ الإسلام، وأنشأ داراً لتعليم الفقراء بالمجان، وخصص المعونات والمكافآت للطلاب، وأنشأ جامعة قرطبة، وكان العلماء قبل إنشاء جامعة قرطبة يباشرون أعمالاً أخرى كالتجارة والزراعة والصناعة، ثم يتعلمون ويعلِّمون، لكن الحكم بن عبد الرحمن الناصر جعل وظيفة التدريس وظيفة خاصة، فجعلهم يتفرغون للتدريس وللتعليم حتى يبدعوا فيه، وظنت ممالك أوروبا الشمالية وممالك الأندلس النصرانية الشمالية أن هذا الرجل يهتم بالعلم فقط على حساب الجهاد، فهاجموا مناطق الشمال، وخالفوا عهدهم الذي كانوا قد أبرموه مع أبيه عبد الرحمن الناصر، فرد عليهم كيدهم في نحورهم، وهاجمهم بغزوات كغزوات أبيه رحمه الله، وانتصر عليهم في مواقع عدة حتى رضوا منه بالجزية من جديد.

ومن منطلق إسلامي بحت، بدأ الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله في حرب الدولة الفاطمية ولم يكن يملك الأندلسيون إلا ميناء سبتة وطنجة فقط في عهد عبد الرحمن الناصر، لكن الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله ضم كل بلاد المغرب جميعاً إلى الأندلس تحت حكم الخلافة الأموية، وظل الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله يحكم من سنة (٣٥٠هـ) - (٣٦٦هـ) وهي أقوى فترات الأندلس على الإطلاق، وأعظم عهودها.

فماذا حدث في آخر عهده رحمه الله؟! وكيف كانت الأمور من بعده؟! وكيف انتقلنا من هذا العهد إلى عهد جديد؟! هذا ما نتداوله بإذن الله من سنة (٣٦٦هـ) بوفاة الحكم بن عبد الرحمن الناصر.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>