للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال سبحانه وتعالى: ((فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لُدّاً)).

وقوله: (وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا) صدق المؤمنون الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به تصديقا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسله الله ودعا الناس رموه وسفّهوه، ووصفوه بالشعر، والكهانة، والجنون، والسحر، وصدّقه من صدقه، وأول من صدقه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أم المؤمنين السيدة العظيمة، وفازت بهذا الفضل العظيم، ثم آمن به بعض الناس على قلة من الأحرار والعبيد: واحد، واثنين، وثلاثة، حتى تتابع الناس على الإيمان، حتى دخلوا في دين الله أفواجا، وهؤلاء المؤمنون صدّقوا بأن القرآن كلام الله، وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله.

وقوله (حقا) مصدر مؤكِد لقوله (صدقوه)؛ كأنه قال: صدقوه تصديقا، والمصدر المؤكِد يشترط أن يكون من لفظ الفعل، كما إذا قلت: قمت قياما، أو من معناه كما إذا قلت: قمت وقوفا.

وقوله: (وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية) أي: وأيقن المؤمنون الذين صدّقوا: أنه كلام الله على الحقيقة لا المجاز؛ فإن المعطلة من الجهميّة، والمعتزلة يقولون: إنه كلام الله، لكنه مخلوق، فإضافته إلى الله إضافة مخلوقٍ إلى خالقه، فليس هو كلام الله على الحقيقة؛ لأنهم يعتقدون أن الله لا يتكلم!

إذًا؛ فالقرآن عندهم ليس كلاما تكلم الله به، ولا يخصون القرآن بهذا؛ فكل كلام الله عندهم مخلوق حتى الخطاب الذي نودي به موسى عليه السلام في الوادي المقدس زعموا أن الله خلق كلاما في الشجرة سمعه موسى!

وردَّ عليهم أهل السنة بأن هذا يقتضي أن الشجرة هي التي قالت: ((إني أنا الله لا إله إلا أنا))؛ لأن الله إذا خلق كلاما في بعض مخلوقاته؛ فالكلام لا يوصف به إلا من قام به الكلام.

وهذه المسألة هي التي نشأت عنها فتنة القول بخلق القرآن، حتى

<<  <   >  >>