للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف) (١).

وقوله: (يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدًا).

يفعل سبحانه ما يشاء، فيعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويهدي ويضل، ويحيي ويميت، ((يُدَبِّرُ الأَمْرَ)) [يونس: ٣]، ((يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)) [الرعد: ٢٦]، و ((يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ)) [العنكبوت: ٢١]، كل ذلك جارٍ على وفق حكمته تعالى، فله الحكمة في كل تدبير، كما تقدم في قول الطحاوي: (يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا) (٢).

فهو يهدي من يشاء بفضله وحكمته، ويضل ويخذل ويبتلي من يشاء بعدله وحكمته، فالحكمة ثابتة في كل تدبير، فهو يضع فضله في مواضعه؛ لأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والعدل: وضع الأشياء في مواضعها، فالله تعالى يضع فضله في مواضعه حيث شاء على وفق الحكمة، خلافا لقول الجهمية ومن تبعهم كالأشاعرة: إن كل ما يجري بمحض المشيئة دون أن تكون له تعالى حكمة في هذا التقدير والتدبير، وقد تقدم نحو هذا المعنى (٣).

المقصود: أنه يجب الإيمان بأن أفعالَه سبحانه وتعالى جاريةٌ على وفق العدل والحكمة، فأفعاله دائرة بين الفضل والعدل، والظلم مما يجب تنزيهه تعالى عنه ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)) [فصلت: ٤٦]، ((وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)) [ق: ٢٩] (إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) [النساء: ٤٠] والآيات في تنزيهه تعالى عن الظلم كثيرة.

فلا يعذب أحدا بغير ذنب، ولا يعذب أحدا بذنب غيره، وجاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو أن الله تعالى عذّب أهل سماواته وأهل أرضه


(١) تقدم في ص ١٨٢.
(٢) ص ٧٧.
(٣) ص ٧٧ - ٨١.

<<  <   >  >>