للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في مؤلَّفات لويس (ماسينيون) الذي خَصَّصَ حياته للكتابة في الحَلاَّج (١٣)، فجعله صورة من المسيح في الإسلام، وأعتقد أنَّ ماسينيون، ما كان يُعْنَى بالحلاَّج قد عنايته بتنفيذ مُخَطَّطٍ استعماري أحكم صُنْعَهُ؛ فقد ملأ كتابه الضخم عن الحلاَّج بحشد هائل من الخرافات والتُرَّهات والأباطيل، حتى يعمِّق الهُوَّةَ بين طائفتين توجدان بالجزائر: طائفة تتمسَّكُ بالقديم، فتنساق، حسب ظنِّهِ، إلى اعتقاد أنَّ هذه الخرافات والهذيانات هي صميم الإسلام، وطائفة مُثَقَّفَةٌ بالثقافة الحديثة تتَّجهُ من جانبها إلى السُخْرية والزراية بهذا الإسلام الخُرافي، بل من الإسلام كله» (١٤).

بل غير خافٍ أنَّ (لويس ماسينيون) هذا «كان مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون الشمال الإفريقي، والراعي الروحي للجمعيات التبشرية الفرنسية في مصر، وخدم الجيش الفرنسي خمس سنوات في الحرب العالمية الأولى» (١٥).

ومن أراد دليلاً آخر، فلينظر في تاريخ السودان، وكيف حاولوا أنْ يُمَزِّقُوهُ طوائف وفرقاً (وطُرُقاً) وكان أنْ تقدَّم أحدهم، وأعلن إسلامه وتسمَّى باسم الشيخ أمين، ولبس ملابس شيوخ الطُرُق، وعاث في عقول الناس فساداً وإفساداً، ثم هالهم أنْ طلع عليهم ذات صباح في صحبة (غوردون) قائد جيش الاحتلال الذي استدعته إنجلترا ليخمد ثورة السودان سنة ١٨٨٥ م (١٦).

ولعل في تلك الواقعة التي أوردها الدكتور محمد محمد حسين في كتابه


(١٣) مِمَّا يذكر بأسَى أنَّ عالماً جليلاً نَعُدُّهُ مستنيراً، أسرف على نفسه وعلى قُرَّائِهِ ذات حديث إلى مجلة إسلامية كبرى فمجَّد المُسْتَشْرِقِينَ، وما أدُّوهُ للتراث، ولما أراد أنْ يستدلَّ على قوله لم يجد إلاَّ عمل ماسينيون في تراث الحَلاَّج ودراسته، وهذا مِمَّا وقعنا فيه من تغرير وخداع.
(١٤) الدكتور محمود قاسم: " الإمام عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية ": ص ٧، وانظر الفصل الثاني من ٣٥ - ٧٠.
(١٥) الدكتور محمد البهي: " الفكر الإسلامي الحديث وصِلَتُهُ بالاستعمار الغربي ": ص ٥٥٦.
(١٦) انظر بحثنا لكاتب هذه السطور بعنوان (جنوب السودان - دراسة تاريخية) " صحيفة التربية ".

<<  <   >  >>