للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يدري ماذا يقول)!! فكيف يذهب الجندي المقاتل إلى الميدان ومعه أكثر من ألف من الجمال تحمل متاعه وخدمه؟ كيف يقاتل ومعه هذه الحاشية؟ وما يصنع بحمل ألف جمل من المتاع في الميدان؟ وإذا فرضنا أنَّ الجيش كان عشرة آلاف مقاتل (وهذا تقدير متواضع) فكم عدد الجمال التي تحمل متاعهم؟ أليست أكثر من عشرة ملايين من الجمال؟ كيف يتحرك هذا الجيش؟ وأية طرق تسعهم وأية مياه تكفيهم؟ وأية مراع تطعمهم؟ وإذا سقط من الجيش بضعُ مئات أو آلاف قتلى في الميدان، فأين تذهب الملايين من الجمال التي تحمل أمتعتهم؟.

لو قرأ أي عاقل هذا الخبر في أصح كتاب لاتَّهَمَ صاحبه، أو على الأقل نسبه إلى الخطأ والوهم، ورفض أنْ يحكي هذا الكلام أو ينقله.

ولكن المُسْتَشْرِقَ العظيم في غمرة اجتهاده لإثبات أنَّ فتوحات المسلمين كانت انتهاباً لخيرات وثروات البلاد التي فتحوها راح يجمع الأدلة من هنا وهناك، ويلويها لَيًّا، ويزيفها تزييفاً. إلاَّ أننا ما كنا نتوقع أنْ يخرج بتزييفه إلى حد اختراع هذه الخرافة، التي لا شك لم ينتبه إليها، فقد شهدت عليه لا له.

وهل لذلك أصل في " الطبري "؟؟.

إنَّ عبارة الطبري تقول على لسان قيس بن الهيثم أحد أصحاب مصعب بن الزبير قبيل التحامه مع جيش عبد الملك بن مروان، يُرَغِّّبُ أهل العراق في القتال، ويبيِّن لهم حسن معاملة ابن الزبير لهم، ورفعه لمنزلتهم ومكانتهم: « ... والله لقد رأيت سيد أهل الشام على باب الخليفة يفرح إن أرسله في حاجة، ولقد رأيتنا في الصوائف، وأحدنا على ألف بعير ... ».

فالقائل هنا يريد أنْ يوازن لأهل العراق بين معاملة خليفة الشام لأصحابه، فالسيد منهم يقف بالباب. ويعدها تكريماً من الخليفة لو أرسله في حاجته، وبين إكرام حكامهم (الزُبَيْرِيِّينَ) لهم، فالواحد منهم على ألف بعيرٍ. ومعنى على ألف بعير، أي أمير ألف، وكان هذا أكبر لقب في الجيش

<<  <   >  >>