للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلتُ: ليسَ هذا المثالُ مماثلاً لِمَا نحنُ بصدَدِهِ؛ لأنَّ الاعتمادَ فيهِ في الحكمِ بالاتِّصالِ على مذهبِ الجمهورِ، إنَّما هوَ على اللُّقِيِّ (١) والإدراكِ، وذلكَ في هذا الحديثِ مُشْتركٌ متردِّدٌ لتَعَلُّقِهِ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وبعُمَرَ - رضي الله عنه -، وصُحْبة الراوي ابنِ عمرَ لهما؛ فاقتضى ذلكَ مِنْ جِهَةٍ: كونَهُ رواهُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومِنْ جهةٍ أخرى، كونَهُ رواهُ عَنْ عمرَ، عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، واللهُ أعلمُ (٢).

الثالثُ: قَدْ ذكرْنا ما حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ مِنْ تعميمِ الحُكْمِ بالاتِّصالِ فيما يذكرُهُ الراوي عَمَّنْ لَقِيَهُ بأيِّ لفظٍ كانَ. وهكذا أطلقَ أبو بكرٍ الشافعيُّ الصَّيْرَفِيُّ (٣) ذلكَ فقالَ: ((كُلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ سماعٌ مِنْ إنسانٍ فَحدَّثَ عنهُ فهوَ على السماعِ حَتَّى يُعْلَمَ أنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ منهُ ما حكاهُ؛ وكلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ لقاءُ إنسانٍ فحدَّثَ عنهُ فحُكمُهُ هذا الحكمُ)) (٤). وإنَّما قالَ هذا فيمَنْ لَمْ يَظهَرْ تدليسُهُ (٥).


(١) في (جـ) و (م): ((اللقاء)).
(٢) قَالَ الزركشي ٢/ ٣٧: ((قَدْ يقال: بَلْ للتمثيل وجه صَحِيْح، وَهُوَ أنَّهُ إذا كَانَ من مسند ابن عمر اقتضى أن عمر لَمْ يسند في المسند بلفظة ((أن))، وكذلك لَمْ يدخل عماراً في المسند في رِوَايَة ((أن))، فجعله ابن شيبة مرسلاً بخلاف عمار، والراوي لهما واحد وَهُوَ ابن الحنفية)). وانظر: التقييد والإيضاح: ٨٩.
(٣) هو الإمام الأصولي أبو بكر محمد عبد الله الصيرفي. (ت٣٣٠ هـ‍). تاريخ بغداد ٥/ ٤٤٩، وطبقات الفقهاء: ١٢٠، وطبقات الشافعية الكبرى ٣/ ١٨٦.
(٤) قال الزركشي ٢/ ٣٨: ((رأيته مصرّحاً به في كتابه المسمّى بـ"الدلائل والأعلام في أصول الأحكام")).
(٥) قَالَ الزركشي ٢/ ٣٨: ((وقول ابن الصَّلاَح: ((إنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه))، يعني: لأنه قال قبل هذا الكلام: ((ومن ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول: ((حدّثني وسمعت)). وقال في موضع آخر: ((متى قال المحدّث: حدَّثنا فلان عن فلان. قُبِلَ خبرُهُ؛ لأن الظاهر أنه حكى عنه، وإنما توقفنا في المدلّس؛ لعيب ظهر لنا منه، فإن لم يظهر فهو على سلامته، ولو توقفنا في هذا لتوقفنا في ((حدّثنا)) لإمكان أن يكون حدّث قبيلته وأصحابه، كقول الحسن: ((خَطَبَنا فلانٌ بالبصرة))، ولم يكن حاضراً؛ لأنه احتمال لاغٍ فكذلك من علم سماعه إذا كان غير مدلّس، وكذلك إذا قال الصحابي أبو بكر أو عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو محمول على السماع، والقائل بخلاف ذلك مغفَّل)).

<<  <   >  >>