للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثَّانِيَةُ: يُعْرَفُ كَوْنُ الرَّاوِي ضَابِطاً، بأنْ نَعْتَبرَ (١) رِوَاياتِهِ بروَاياتِ الثِّقَاتِ المعْرُوفِيْنَ بالضبْطِ والإتْقانِ، فَإنْ وَجَدْنا رِوَاياتِهِ موافقةً وَلَوْ مِنْ حَيْثُ المعْنَى لِرِوَاياتِهِم أو موافِقَةً لَهَا في الأغْلَبِ والمخالَفَةُ نَادِرَةٌ عَرَفْنا حِيْنَئِذٍ كَوْنَهُ ضَابِطاً ثَبْتاً، وإنْ وَجدْناهُ كثيرَ المخالَفةِ لهم عَرَفْنا اختِلاَلَ ضَبْطِهِ ولَمْ نَحْتَجَّ (٢) بحديثِهِ (٣)، واللهُ أعلمُ.

الثَّالِثَةُ: التعديلُ مقبولٌ مِنْ غيرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ على المذهبِ الصحيحِ المشهورِ (٤)؛ لأنَّ أسْبَابَهُ كَثيرةٌ يَصْعُبُ ذِكْرُها، فَإنَّ ذَلِكَ يُحْوِجُ المعدِّلَ إلى أنْ يقولَ: لَمْ يَفْعَلْ كذا، ولَمْ يَرتكِبْ كَذا، فَعَلَ كَذا وكَذا فيُعَدِّدُ جميعَ ما يفسقُ بفِعلِهِ أو بتَرْكِهِ وذَلِكَ شَاقٌّ جِدّاً (٥).

وأمَّا (٦) الْجَرْحُ فَإنَّهُ لاَ يُقْبَلُ إلاَّ مُفَسَّراً مبَيَّنَ السَّبَبِ (٧)؛ لأنَّ الناسَ يَختَلِفُونَ فيما يَجْرَحُ وما لاَ يَجْرَحُ، فيَطلقُ أحدُهُمُ الْجَرْحَ بناءً على أمرٍ اعتَقَدَهُ جَرْحاً ولَيْسَ بجرْحٍ في نفسِ الأمرِ؛ فلاَ بُدَّ مِنْ بِيَانِ سَبِبِهِ لِيُنْظَرَ فيهِ: أهُوَ جَرْحٌ أمْ لاَ؟ وهذا ظاهرٌ مقرّرٌ في الفِقْهِ وأصُولِهِ (٨).


(١) في (أ) و (ب) و (م): ((تعتبر))، وفي (جـ): ((يعتبر)).
(٢) في (أ) و (ب): ((يحتج)).
(٣) انظر فيما يتعلق بالضبط: جامع الأصول ١/ ٧٢ - ٧٤، ونكت الزركشي ٢/ ٣٣٦.
(٤) وهو الذي صَوَّبَه الخطيب البغدادي، واختاره أبو إسحاق الشيرازي، وصحّحه الزركشي، وقال:
((هو المنصوص للشافعي))، وقال القرطبي: هو الأكثر من قول مالك.
انظر: الكفاية: (١٦٥ ت، ٩٩ هـ‍)، واللمع: ٤٦، والبحر المحيط ٤/ ٢٩٣ - ٢٩٤.
(٥) و ((لأن المزكّي إن كان بصيراً قُبِلَ جرحه وتعديله وإلاّ فلا، وهو قول القاضي أبي بكر، وقال إمام الحرمين: ((إن كان المزكّي عالماً بأسباب الجرح والتعديل اكتفينا بإطلاقه وإلا فلا))، والمختار ما قاله الغزالي: إنه ينظر في مذاهب الجارحين والمزكّين، فإن كانت مختلفة توقفنا عن قبول الجرح حتى يتبين وجهه، وما كان مطلقاً أو غير مقيد فلا يجرح به، ومما ينبغي في الجارح والمعدِّل: أن يكون عالماً باختلاف المذاهب في ذلك)). قاله الزركشي ٣/ ٣٣٨.
(٦) في (أ): ((أما))، الواو ساقطة.
(٧) قال العراقي في التقييد١٤٠: ((وقد حكى القاضي أبو بكر عن الجمهور قبول جرح أهل العلم بهذا الشأن من غير بَيَان، واختاره إمام الحرمين، وأبو بكر الْخَطِيْب، والغزالي، وابن الخطيب)).
(٨) قال البلقيني في المحاسن: ٢٢١: ((وذهب قوم إلى أنه لا يشترط ذلك، كما مرّ مثله في التعديل على المشهور. وأغْرَبَ مَنْ قَال: يكفي الإطلاق في الجرح دون التعديل. وقيل: إن كان عالماً بالأسباب كفى الإطلاق فيهما، وإلا لم يكف واحد منهما. وتقرير الأدلة في فن الأصول)).

<<  <   >  >>