للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحدِّثُ يَقْرَأُ، هَلْ يَجُوزُ أنْ يُحَدِّثَ بذلكَ عنهُ؟، فقالَ: أمَّا عِنْدِي فَلاَ يَجُوزُ، ولَكِنْ عَامَّةُ الشُّيُوخِ هَكَذا سَمَاعُهُمْ)) (١).

قُلْتُ: وهذا مِنْ مَذاهِبِ أهْلِ التَّشْدِيْدِ في الروايَةِ، وسَيَأْتِي ذِكْرُ مَذْهَبِهِمْ (٢) إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. والصَّحِيْحُ أنَّ ذلكَ لاَ يُشْتَرَطُ وأنَّهُ يَصِحُّ السَّمَاعُ وإنْ لَمْ يَنْظُرْ أصلاً في الكِتابِ حالَةَ القِرَاءَ ةِ، وأنَّهُ لا (٣) يُشْتَرَطُ أنْ يُقَابِلَهُ بنفْسِهِ، بلْ يَكْفِيْهِ مُقَابلَةُ نُسْخَتِهِ بأصْلِ الرَّاوي وإنْ لَمْ يَكُنْ ذلكَ حالَةَ القِرَاءةِ، وإنْ كَانَتِ المقابَلَةُ على (٤) يَدَي غيرِهِ، إذا كَانَ ثِقَةً مَوْثُوقاً بضَبْطِهِ (٥).

قُلْتُ: وجَائِزٌ أنْ تَكُونَ مُقَابَلَتُهُ بفَرْعٍ قَدْ قُوبِلَ المقابلَةَ المشروطَةَ بأصْلِ شَيْخِهِ أصْلِ السَّمَاعِ، وكذلكَ إذا قَابَلَ بأصْلِ أصْلِ الشَّيْخِ (٦) المقَابَلْ بهِ أصْلُ الشَّيْخِ؛ لأنَّ الغَرَضَ المطْلُوبَ أنْ يَكُونَ كِتَابُ الطَّالِبِ مُطَابِقاً لأصْلِ سَمَاعِهِ وكِتَابِ شَيْخِهِ، فَسَوَاءٌ حَصَلَ ذلكَ بوَاسِطَةٍ أوْ بغَيْرِ واسِطَةٍ. ولاَ يُجْزِئُ ذلكَ عِنْدَ مَنْ قَالَ: ((لاَ تَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ مَعَ أحَدٍ غَيْرِ نَفْسِهِ، ولاَ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ، ولاَ يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَ كِتَابِ الشَّيْخِ واسِطَةٌ (٧)، وليقَابِلْ نُسْخَتَهُ بالأصْلِ بنَفْسِهِ حَرْفاً حَرْفاً حَتَّى يَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ ويَقِيْنٍ مِنْ مطابَقَتِها لهُ)). وهذا مَذْهَبٌ مَتْرُوكٌ وهوَ مِنْ مَذَاهِبِ أهْلِ التَّشْدِيْدِ المرفُوضَةِ في أعْصَارِنا، واللهُ أعلمُ.


(١) الكفاية: (٣٥١ ت، ٢٣٨ هـ).
(٢) في (ب): ((مذاهبهم)).
(٣) سقطت من (ب).
(٤) كأنه ثَنَّى اليد؛ إشارة إلى الاعتناء بالمقابلة، أفاده البقاعي في نكته: ٢٨٩ / ب.
(٥) قال البقاعي: ((أي: قد يكون الإنسان ثقةً، أي: عدلاً ضابطاً لما يرويه، وهو ضعيف في الكتابة أو لا يعلمها أصلاً فلا يدفع ذلك مع كونه موثوقاً بضبطه في المقابلة، أي: قد جرب أمره فيها فوجد شديداً)). النكت الوفية: ٢٨٩ / ب.
(٦) انظر: الاقتراح: ٢٩٧ - ٢٩٨، ونكت الزركشي ٣/ ٥٨٥.
(٧) نقله القاضي عياض في الإلماع: ١٥٩.

<<  <   >  >>