للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّمَا يَكْمُلُ لِلْقِيامِ بهِ الأئِمَّةُ الجامِعونَ بَيْنَ صِناعَتَي: الحديثِ والفِقْهِ، الغَوَّاصُونَ عَلَى المعاني الدقيقةِ (١).

اعْلَمْ أنَّ ما يُذْكَرُ في هذا البابِ يَنْقَسِمُ إلى قِسْمَينِ:

أحدُهُما أنْ يُمْكِنَ الجَمْعُ بَيْنَ الحديثينِ ولا يتعذَّرُ إبداءُ وَجْهٍ يَنْفِي تَنافِيَهُما، فيتَعَيَّنُ حِيْنَئذٍ المصيرُ إلى ذَلِكَ والقولُ بهما معاً.

ومِثَالُهُ حديثُ: ((لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ)) (٢) معَ حديثِ: ((لا يُورِدُ مُمْرِضٌ (٣) عَلَى مُصِحٍّ)) (٤)، وحديثُ: ((فِرَّ مِنَ المجذومِ (٥) فِرَارَكَ مِنَ الأسَدِ)) (٦). وَجْهُ الجمْعِ (٧) بينَهُما أنَّ هذهِ الأمراضَ لا تُعْدِي بِطَبْعِها ولكِنَّ اللهَ تباركَ وتَعَالَى جَعَلَ مُخَالَطَةَ المريضِ بها للصَّحيحِ سَبَباً لإعدائِهِ مَرَضَهُ (٨). ثُمَّ قَدْ يتَخَلَّفُ ذَلِكَ عَنْ سَبَبِهِ كما في سائِرِ الأسْبابِ.


= ومنهم من ضبطها - بفتح اللام - عَلَى أنّه مصدر ميمي، بمعنى: أنّه الْحَدِيْث الَّذِي وقع فِيْهِ الاختلاف، ويكون المراد حينئذٍ بـ ((مختلف الحديث))، ((أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً))، أي أن التعريف عَلَى الضبط الأول يُراد به الحديث نفسه في حين يُراد بالتعريف على الضبط الثاني التضاد والاختلاف نفسه، ويلاحظ تقييد التعارض -في التعريف- بكونه ظاهراً؛ وذلك لأنّ التعارض: ((الحقيقي)) في الثابت من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - محالٌ. انظر: مختلف الحديث بين المحدِّثين والأصولين والفقهاء: ٢٥ - ٢٦.
(١) انظر: محاسن الاصطلاح ٤١٤، وشرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٤٣٣.
(٢) أخرجه البخاري ٧/ ١٧٩ (٥٧٧٢)، ومسلم ٧/ ٣١ (٢٢٢٠) (١٠٢). والطِّيَرة - بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن - هي التشاؤم بالشيء، وكان ذلك يَصُدُّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جَلْب نَفْع أو دَفْع ضرّ. انظر: النهاية ٣/ ١٥٢.
(٣) الممرض - بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الراء بعدها ضاد معجمة -: هو اسم فاعل. والمصح - بضم الميم وكسر الصاد المهملة وتشديد الحاء -. انظر: عمدة القاري ٢١/ ٢٨٨.
(٤) أخرجه البخاري ٧/ ١٧٩ (٥٧٧١)، ومسلم ٧/ ٣١ (٢٢٢١) من حديث أبي هريرة.
(٥) الْجُذام: مرض وخيم ربما انتهى إلى تقطّع أطراف اليد وسقوطها عن تقرح، ويفسد مزاج الأعضاء وهيأتها. متن اللغة ١/ ٤٩٦.
(٦) أخرجه البخاري ٧/ ١٦٤ (٥٧٠٧).
(٧) للعلماء مسالك متعددة في الجمع بين هذه الأحاديث. انظر: فتح الباري ١٠/ ١٦٠.
(٨) في الشذا: ((مرضاً)).

<<  <   >  >>