للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخنا تأوله على الخبرين إذا كان خاصين يكون الأخير أولى وفيه نظر).

وقال الشنقيطي في "المذكرة" (ص/٢١٣): (واعلم أيضاً أن التحقيق هو تخصيص العام بالخاص سواء تقدم عنه أو تأخر خلافاً لأبي حنيفة القائل بأن المتأخر منهما ناسخ , محتجاً بقول ابن عباس أو الزهري كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث وبأن العام قطعي الشمول للأفراد عنده، وعليه إن جهل التاريخ يلزم التوقف حتى يدل دليل على أحدهما (١). وهذا المذهب رواية أيضاً عن أحمد. والدليل على تقديم الخاص على العام مطلقاً أمران:

الأول: أن الصحابة كانوا يقدمونه عليه كما قاله المؤلف وغيره ومن تتبع

قضاياهم تحقق ذلك عنهم (٢).

الثاني: أن دلالة الخاص أقوى من تناول العام له فلا شك أن دلالة ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث)) على عدم أرث فاطمة له صلى الله عليه وسلم أقوى من دلالة عموم (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) [النساء: ١١] الآية. على ارثها له صلى الله عليه وسلم ورضي عنها).


(١) خلاصة دليل الواقفية: أن العام من القرآن قطعي السند؛ لأنه نقل نقلًا متواترًا، ظني الدلالة على أفراد العام، وخبر الواحد قطعي الدلالة، لخصوصيته في مدلوله، ظني الثبوت من حيث السند فيتعادلان، لأن كل واحد منهما صار راجحًا من وجه، مرجوحًا من وجه آخر. انظر: شرح الطوفي "٢/ ٥٦٣".
والراجح أنه لا يلزم التوقف لما يأتي من أدلة ولأن قطعية الدلالة في محل النزاع أقوى من قطعية الثبوت مع ظنية الدلالة فالكل وحي من عند الله وكما حقق الشنقيطي وغيره وكما هو معلوم أن خبر الآحاد قطعية من ناحية وجوب العمل بها.
(٢) ومن أمثلة ذلك أنهم: خصصوا قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} برواية أبي هريرة عن النبي، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا تُنْكَحُ المرأةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِها". وخصصوا آية الميراث بقوله: "لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَاَ الْكَافِرُ المُسْلِمَ"، " وَلَاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ "، و "إنَّا مَعَاشِرَ الْْأَنْبِياءِ لَا نُورَثُ". وخصصوا عموم الوصية بقوله: "لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ". وعموم قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، بقوله: "حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا". إلى نظائر كثيرة لا تحصى، مما يدل على أن الصحابة والتابعين كانوا يسارعون إلى الحكم بالخاص، من غير اشتغال بطلب تاريخ، ولا نظر في تقديم ولا تأخير.

<<  <   >  >>