للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الأول فلأن قوله - عز وجل -: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء: ١١٥]، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (ما رآه المسلمون حسنا .. ) (١) و (يد الله على الجماعة) «صادق على أهل كل عصر» إذ تصح تسميتهم مؤمنين ومسلمين، وجماعة تعريفا وتنكيرا.

وأما الثاني: وهو كون إجماعهم حجة؛ فلأنه إذا تناولهم لفظ المؤمنين، وصدق عليهم، حرم خلافهم لقوله تعالى: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية، كما سبق. فثبت بهذا أن إجماع كل عصر حجة.

الوجه الثاني: أن المعقول من الدليل السمعي، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] الآية، وأخواتها مما سبق ; هو «إثبات الحجة الإجماعية مدة التكليف». إذ تقدير الكلام: إن سبيل المؤمنين حق، فاتبعوه ما دمتم مكلفين. والخطاب للموجودين، ولمن سيوجد، وإذا كان الأمر كذلك، فالتكليف «ليس مختصا بعصر الصحابة» بل هو دائم مستمر عصرا بعد عصر حتى تقوم الساعة، فيجب العمل بمعقول الدليل السمعي في إثبات الإجماع في كل عصر من أعصار مدة التكليف، وذلك إنما يكون باتفاق أهل ذلك العصر، إذ ما قبله وبعده معدوم.

قوله: " قالوا: السمعي خطاب لحاضريه ". هذا حجة الظاهرية: أن دليل السمع الذي ثبت به الإجماع " خطاب لحاضريه " أي: لحاضري ذلك الخطاب كقوله - عز وجل -: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: ١١٠]، وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: ١٤٣]، الآيتين. وهذا خطاب للحاضرين " فيختص " بمقتضاه، وهو كون الإجماع حجة " بهم " دون غيرهم، لعدم تناول الخطاب له.

قوله: " قلنا: " إلى آخره. هذا جواب ما ذكروه، أي: قلنا: الجواب عن الوجه " الأول " وهو قولهم: " السمعي خطاب لحاضريه فيختص بهم " أنه " باطل بسائر خطاب التكليف " نحو: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة: ٤٣] ونحوه كثير،


(١) ضعيف مرفوعا، حسن موقوفا.

<<  <   >  >>