للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعقب أيضا هذا التعريف بأن من أصول الشرع ما هو عقيم لا يقبل الفرع قال السمعاني في "قواطع الأدلة" (١/ ٢١): (ويقال في حد الأصل ما ابتنى عليه غيره والفرع ما ابتنى على غيره. وقيل الأصل ما يقع التوصل به إلى معرفة ما وراءه، والعبارتان مدخولتان؛ لأن من أصول الشرع ما هو عقيم لا يقبل الفرع، ولا يقع به التوصل إلى ما وراءه بحال مثل: ما ورد به الشرع من دية الجنين والقسامة (١) وتحمل العقل (٢) فهذه أصول ليست لها فروع، فالأولى أن يقال: إن الأصل: كل ما يثبت دليلا في إيجاد حكم من أحكام الدين. وإذا حد هذا فيتناول ما جلب فرعا، أو لم يجلبه) ونقله عنه الزركشي في البحر المحيط (١/ ١١) فقال: (كل ما ثبت دليلا في إيجاب حكم من الأحكام) فعممه، وهو أولى طالما أننا نتكلم عن التعريف اللغوي.

ولما كان الأصل يستعمل في الاصطلاح بمعنى الدليل، وبمعنى القاعدة، والراجح، وغير ذلك كان الأصل كالجنس والدليل كأحد أنواعه، وعليه فتعريف الأصل بالدليل فيه نوع دور، والأولى عندي في تعريف الأصل لغة أنه: (ما كان سببا في إيجاد حكم من الأحكام)، والأحكام هنا عامة تشمل الأحكام الشرعية، والعادية، والعقلية.

ويدخل في هذا التعريف ما له فرع، كالشجرة فهي أصل لفروعها؛ لأنها سببا في إيجادها، وكالأب فهو أصل لابنه؛ لأنه كان سببا في إيجاده.


(١) بالفتح الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم، مع أنهم لم يشاهدوا، ولها شروط ليس هذا محل الكلام عليها، ولهذا فالقسامة أصل في الشرع مستقل بنفسه. وورد فيها الحديث الذي رواه البخاري عن سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال (كبر كبر). وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال (تحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم). قالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال (فتبرئكم يهود بخمسين). فقالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده).
(٢) أي أداء دية القتيل، والعاقلة وهم العصبة وهم القرابة من قبل الأب الذين يشتركون في دفع ديته.

<<  <   >  >>