للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب اختلافهم هل يكتفي بمعرفةُ الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر، دون ما دل على الأحكام بطريق الإشارة أو مفهومِ المخالفة، ونحوِهما من طرق الدلالة الخفيّة.

فمن قال بالأول قال بحصر الأدلة فقالوا من الآيات يكتفى بخمسمائة آية (١) وقيل تسعمائة (٢)، وقيل غير ذلك (٣).

ومن قال بالثاني لم يحصر الآيات في آيات الأحكام وحسب بل زاد ما يتعلق بالوعد والإخبار عن أمور الآخرة أو القرون السالفة والأقاصيص والمواعظ ونحوهم، فقل أن يوجد في القرآن الكريم آية إلا ويستنبط منها شيء (٤).

قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (٣/ ٥٧٧): (أما الكتاب: فالواجب عليه أن يعرف منه ما يتعلق بالأحكام، وهو قدر خمسمائة آية، كما قال الغزالي وغيره، والصحيح أن هذا التقدير غير معتبر، وأن مقدار أدلة الأحكام في ذلك غير منحصر، فإن أحكام الشرع كما تستنبط من الأوامر والنواهي؛ كذلك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها، فقل أن يوجد في القرآن آية إلا ويستنبط منها شيء


(١) نقل ذلك عن الغزالي والرازي وابن قدامة وابن العربي، وغيرهم ولعلهم ذهبوا لذلك لما رأوا مقاتل بن سليمان أول من أفرد آيات الأحكام في تصنيف وجعلها خمسمائة آية.
(٢) نقل عن ابن المبارك، وانظر رسالة "الاجتهاد في الإسلام" (ص/٦٦).
(٣) قال المرداوي في "التحبير" (٨/ ٣٨٧١): (وقد قيل: إن آيات الأحكام مائة آية، حكاه ابن السيوطي في شرح منظومته ' جمع الجوامع ' وحكى البغوي عند قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: ٢٦٩] ' عن الضحاك أنه قال: في القرآن مائة آية وتسع آيات ناسخة ومنسوخة، وألف آية حلال وحرام، لا يسع المؤمنين تركهن حتى يتعلموهن ' انتهى).
(٤) قال ابن النجار في "شرح الكوكب" (٤/ ٤٦٠): ("و" أن يكون عالما ب "الأدلة السمعية مفصلة، واختلاف مراتبها" وليس المراد: أن يعرف سائر آيات القرآن، وجميع أحاديث السنة، وإنما المراد: ما يحتاج إلى معرفته. "فمن الكتاب والسنة: ما يتعلق بالأحكام" وقد ذكروا أن الآيات خمسمائة آية، وكأنهم أرادوا ما هو مقصود به الأحكام بدلالة المطابقة أما بدلالة الالتزام: فغالب القرآن، بل كله؛ لأنه لا يخلو شيء منه عن حكم يستنبط منه).
وقال الرزكشي في البحر المحيط (٤/ ٤٩٠): (قال ابن دقيق العيد: «ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات لا بطريق التضمن والالتزام»).

<<  <   >  >>