للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشكاليّة المصطلح بين اللّفظ والمعنى

[تمهيد]

إنّ التصورات الذهنية ومحصّلات الأفكار الكشفية الصادرة عن العقل والفهم، والوجدانيات المعنوية المنبعثة من النفس، لا يمكنها جميعا أن تتحقق عند صاحبها ومنه إلى غيره ببيان فراغي، كمثل القابض على الماء، بل لا بدّ لها من أن تتحقّق وتتعيّن وتتشيّأ إشارات ورموزا بنزولها وانسكابها في أنواع من الألفاظ وأنماط من الصيغ تشكل في جملتها بنيانا لغويا له خصائصه وطبعه وجبلته وسيرورة تكونه وتحوّله في بعدي التاريخ والنسق الداخلي لبنيته، علما أنّ هذه البنية قد اكتسبت وحدتها وضبطها وتعقّدها بضوء التجربة المعرفية التي خاضها الناطقون بهذه اللغة والمعبّرون بتلك الألفاظ والأسماء.

ولعلّ العربية، لغة الضاد، من أشد اللغات جمعا لهذين البعدين: السيرورة التاريخية، ونسق البنية الخاص، إذ إنّ لغات العالم بمعظمها مهما غزرت تجربتها أو تحدّدت تتمتع كل منها ببنية لها ميزاتها بحسب معطيات منهج اللغويات العصري والدراسات الأنسية الحادثة. فالعربية أسوة بغيرها لها بنيتها وميزاتها، إلا أنّ للعربية خاصيّة بارزة على سواها تختص في أثر البعد التاريخي في تكوّن الأسماء والألفاظ واستمرار تأثيره على المفردات والأسماء باتصال من غير انقطاع وقطع. ولهذا كله كانت دراسة الحقل الدلالي لألفاظ العربية وأسمائها ترتدي أهمية وأهدافا معرفية عدة.

إن هذه المفردات والأسماء قد استعملت قوالب للفكر والفهم والاذتهان والعرفان على امتداد عشرات القرون في مسار الناطقين بالعربية التاريخي، لهذا فهي محصّلة ونتاج جهود أجيال وحضارات عدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>