للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أعطتْ حُكْمًا، و {فَسَقَى لَهُمَا} أعطت حكمًا ثالثًا.

وهذه الأحكام الثلاثة تُنظّم للمجتمع المسلم مسألة عمل المرأة، وما يجب علينا حينما تُضطر المرأة للعمل، فمن الحكم الأول نعلم أن سَقْي الأنعام من عمل الرجال، ومن الحكم الثاني نعلم أن المرأة لا تخرج للعمل إلا للضرورة (١)، ولا تؤدي مهمة الرجال إلا إذا عجز الرجل عن أداء هذه المهمة {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}.

أما الحكم الثالث فيعلم المجتمع المسلم أو حتى الإنساني إذا رأى المرأة قد خرجت للعمل فلابد أنه ليس لها رجل يقوم بهذه المهمة، فعليه أن يساعدها وأنْ يُيسِّر لها مهمتها.

وأذكر أنني حينما سافرت إلى السعودية سنة ١٩٥٠ ركبتُ مع أحد الزملاء سيارته، وفي الطريق رأيتُه نزل من سيارته، وذهب إلى أحد المنازل، وكان أمامه طاولة من الخشب مُغطَّاة بقطعة من القماش، فأخذها ووضعها في السيارة، ثم سِرْنا فسألتُه عما يفعل، فقال: «من عاداتنا إذا رأيتُ مثل هذه الطاولة على باب البيت، فهي تعني أن صاحب البيت غير موجود، وأن ربة البيت قد أعدَّتْ العجين، وتريد مَنْ يخبزه فإذا مَرَّ أحدنا أخذه فخبزه، ثم أعاد الطاولة إلى مكانها».

وفي قوله تعالى: {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} إشارة إلى أن المرأة إذا اضْطُرَّتْ للخروج للعمل، وتوفرَتْ لها هذه الضرورة عليها أنْ تأخذَ الضرورة بقدرها، فلا تختلط بالرجال، وأنْ تعزل نفسها عن مزاحمتهم والاحتكاك بهم، وليس معنى أن الضرورة أخرجتْ المرأة لتقوم بعمل الرجال أنها أصبحتْ مثلهم، فتبيح لنفسها الاختلاط بهم».

٢٣ - قال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله - في تفسير قول الله


(١) المقصود بالضرورة هنا الحاجة أو الضرورة (د/ ياسر).

<<  <  ج: ص:  >  >>