للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«إن نساء المسلمين في الصدر الأول، كُنّ دررًا مصونة، ولآلئ مكنونة، غير ولّاجات خرّاجات، وإن خرجن للحاجات، فهن العفيفات المتحفظات، وعلى مِنْوال أولئك السابقين الأولين، كانت عصور التابعين والأئمة المرضيين.

وقد ظلت نساء المسلمين مصونة في مدن حصينة ضد غزو التغريب، عبر عقود بل قرون ازدهرت فيها حضارة الإسلام، بينما كان يقبع غيرهم في ما يُعرف اليوم برجعية العصور الوسطى، أو عصور الظلام.

ثم مع انحسار العفاف رويدًا رويدًا، بدأت تنحسر دولة الإسلام شيئًا فشيئًا، ومع ذلك ظلت بعض المدن تعرف بالصيانة والعفاف، ثم استشرت الفتن، وجاءت الأهواء فساقت الناس نحو جحر الغرب المظلم، فبعد أن كان الاختلاط علقمًا يشرق به الخاصة والعامة، بدأت عملية تسويغه، عن طريق المدارس الاستعمارية العالمية بدعوى أن علاج (الرجل المريض) (١) يكمن فيها، وذلك مطلع القرن الرابع عشر الهجري، فما بلغ أبناء تلك المدارس الخمسين، وما انتصف القرن، إلاّ وقد مات (الرجل)، بعد أن هيأت تلك المناطق المشبوهة مناخًا جيدًا لتفريخ أجيالٍ من المستغربين، الذين رأوا أن استعادة الأمة مجدها، وعودها إلى سابق عهدها، وخروجها من واقعها المظلم، لن يكون إلاّ بإحراق كل فضيلة، في سبيل (التنوير).

هذا ومع خفوت وهج مصابيح الدجى، عميت أنباء الشريعة على كثير من الناس، واستُبهمت واضحاتها، فاختلط حكم الاختلاط، والتبست أحكام اللباس، و (استعجم) العرب ما جاء في التشريع وبخاصة ما يخص المرأة.


(١) الرجل المريض: الدولة العثمانية في أواخر عهدها واشتداد ضعفها، وتكالب الصليبيين على اقتسام أجزائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>