للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيث جَوَاز خَلْوَة الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا (١) تَحْرِيمه، فَيَتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ، أَوْ مُرُوءَتهمْ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو هَذَا التَّأْوِيل» (٢).

قال الإمام القرطبيُّ: «كان هذا الدخول في غيبة أبي بكر - رضي الله عنه - لكنه كان في الحضر لا في السفر، وكان على وجه ما يعرف من أهل الخير والصلاح، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والرّيب، غير أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - أنكر ذلك بمقتضى الغَيْرة الجِبِلّيّة، والدّينية ...

ولمّا ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول لها، وَقَالَ: «لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا»، يعني: على الفريقين، فإنه علم أعيان الجميع؛ لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم، ثمّ خصّ أسماء بالشهادة لها فقال: «إِنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ» أي: مما وقع في نفس أبي بكر، فكان ذلك فضيلةً عظيمةً من أعظم فضائلها ...

ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى جمع الناسَ، وصعد المنبر، فنهاهم عن ذلك، وعلمهم ما يجوز منه فقال: «لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ»، سدًا لذريعة الخلوة، ودفعًا لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم؛ لأنَّ التهمة كانت ترتفع بذلك القدر، فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد، ورحم الله مالكًا لقد بالغ في هذا الباب ... » (٣).

وتأمل قول الإمامِ القرطبيِّ ـ أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، الذي وُلد سنة


(١) أي الشافعية.
(٢) شرح صحيح مسلم (١٤/ ١٥٥).
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٥/ ٥٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>