للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو عرضتَ كتابَ الله آية آية، لما وجدت فيه نصًا صريحًا يحرم على الولد ضرب والديه، لكنك واجد فيه نهيًا صريحًا للولد أن يقولَ لهما أفٍ أو ينهرَهما، ومع ذلك فكل عاقل يفهم أساليب الخطاب وإيماءاتِه يدرك من النهي عن مجرّد التأفف للوالدين النهيَ عن كل ما هو أعظم منه من باب أولى.

وكم نص الشرع على حكم الأدنى ليدل على الأعلى من باب أولى، ولذا نقول: إن من غير المظنون بالشرع الحكيم أن ينهى عن خروج المرأة متعطرة ليجد الرجال من ريحها، ثم يأذن لها أن تخالطهم في العمل لتجر وراءها آثار الفتنة!

وإن من اتهام الشرع في حكمته أن نزعم أنه يُبيح صور الاختلاطِ كلَّها، حتى الاختلاط في العمل بحجة أنه لم ينصّ على تحريم ذلك، وهو الذي نهى المرأة عن مجرد ضربها برجليها، ليُعلم ما تخفي من زينتها!

كما أن سد الذرائع أصل أخذ به جمهور العلماء في كل ما غلبت فيه المفسدة على المصلحة، وإنما اختلفوا في بعض فروع ذلك؛ لاختلافهم في تقدير المفسدة والمصلحة، وهل ينازع عاقل في أن الاختلاط المنتظم المتكرر بين الموظفين والموظفات يفضي إلى كثير من المفاسد؟!

ولو كان الشأنُ ألاّ نحرِّم إلاّ ما حُرّم بنص صريح، وألاّ نوجب إلاّ ما وجب بنصٍّ صريح يفهمه كل أحد لما كان لنا من حاجة أن نسأل العلماء عن أحكام ديننا، فلما أن أمرنا الله بسؤالهم دلّ ذلك على أن من الأحكام الشرعية ما لا يستنبطه إلاّ العلماء العارفون بدلالات الألفاظ وفحوى الخطاب وطرق القياس (١).


(١) الواقعية في الاختلاط، سامي الماجد، موقع شبهات وبيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>