للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْجِهَادِ

الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنِ البَاقِيْنَ، ولا يَجِبُ إلاَّ عَلَى ذَكَرٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُسْتَطِيْعٍ (١)، فأمَّا الْمَرْأةُ والعَبْدُ والصَّبِيُّ والفَقِيْرُ وَمَنْ لا يَجِدُ ما يَحْمِلُهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِهَادِ مَسَافَةٌ تُقْصَرُ فِيْهَا الصَّلاَةُ، والأعْرَجُ والْمَرِيْضُ؛ فَلاَ جِهَادَ عَلَيْهِمْ. وأَفْضَلُ مَا تطوع بِهِ الْجِهَادُ (٢).

ويُسْتَحَبُّ الإكْثَارُ مِنْهُ مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وأقلُّ ما يُفَعَلُ مَرَّةً في كُلِّ عَامٍ، إِلاَّ أنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَى تَأْخِيْرِهِ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِيْنَ. وَغَزْوُ البَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ البَرِّ. وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ منْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أن يَنْصَرِفَ عَنْ كَافِرَيْنِ، ولا لِلْمِئَةِ أنْ يَنْصَرِفُوا عَنِ الْمِئَتَيْنِ /١١١ و/ إلاَّ أنْ يَنْحَرِفُوا عَنْ ضِيقٍ إِلَى سَعَةٍ، أو عَنْ عَطَشٍ إِلَى مَاءٍ، أو عَنِ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ والرِّيْحِ إِلَى اسْتِدْبَارِ ذَلِكَ، أو يَتَحَيَّزُوا إِلَى فِئَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ لِيَلْتَفُّوا مَعَهُمْ. فإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أكبَرَ مِنْ ضِعْفَي الْمُسْلِمِيْنَ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِيْنَ الظَّفَرُ فَالأَوْلَى أنْ يَثْبُتُوا، وإنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِم الْهَلاكُ فَالأَوْلَى أنْ يَنْصَرِفُوا، فإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِم الأَسْرُ مَتَى انْهَزَمُوا فالأَوْلَى أنْ يَثْبُتُوا، وَظَاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ: يلزمهم أنْ يَثْبُتُوا وإِنْ قُتِلُوا. فإِنْ طَرَحَ الْمُشْرِكُونَ نَاراً في سَفِيْنَةٍ فِيْهَا مُسْلِمُونَ، فما غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ السَّلامَةُ فِيْهِ لَزِمَهُمْ فِعْلُهُ، فَإنْ شَكُّوا هَل السَّلاَمَة في مُقَامِهِمْ في السَّفِيْنَةِ أو في الوُقُوْعِ في الْمَاءِ؟ فَهُمْ بِالْخِيارِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: يلزمهم الْمُقَامُ (٣).

وإذا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِماً لَمْ يَتَطَوَّعْ بِالْجِهَادِ إلاَّ بإذنِهِ، فإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ جَازَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، وكَذَلِكَ كُلُّ فَرِيْضَةٍ. وَلاَ يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلاَّ يإذْنِ غَرِيْمِهِ إلاَّ أنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ


(١) هَذَا شرط في الوجوب عَلَى الصَّحِيْح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وَعَنْهُ يلزم العاجز ببدنه في ماله اختاره الآجري، والشيخ تقي الدين وجزم بِهِ الْقَاضِي في أحكام القرآن في سورة براءة. فعلى المذهب لاَ يلزم ضعيفاً، ولا مريضاً مرضاً شديداً. أما المرض اليسير الَّذِي لا يمنع الْجِهَاد كوجع الضرس، والصداع الخفيف فَلاَ يمنع الوجوب. ولا يلزم الأعمى ويلزم الأعور بلا نزاع، وكذا الأعشى. وَهُوَ الَّذِي يبصر بالنهار ولا يلزم أشل، ولا أقطع اليد أو الرجل، ولا من أكثر أصابعه ذاهبة أو إبهامه، أو ما يذهب بذهابه نفع اليد أو الرجل. ولا يلزم الأعرج. وَقَالَ المصنف والشارح: والعرج اليسير الَّذِي يتمكن مَعَهُ من الركوب والمشي، وإنما يتعذر عَلَيْهِ شدة العدو: لا يمنع. انظر: الإنصاف ٤/ ١١٥.
(٢) هَذَا المذهب أطلقه الإمام أحمد والأصحاب. الإنصاف ٤/ ١١٨.
(٣) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين ١٨٩/ب، والإنصاف ٤/ ١٢٥.

<<  <   >  >>