للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عثمان فإنه لما استأذنه عبدالله بن أبي السرح في التوغل في أرض افريقيا وطلب منه النجدة استشار عثمان الصحابة فأشاروا به. (١)

وهذا كله يكشف بجلاء أن الشورى الإسلامية لم تتخذ نمطاً واحداً في شكل محدد, فمنها ما يمكن طرحه للناس كافة في استفتاء عام, ومنها ما يمكن بحثه بين مجموعة من أهل الرأي والخبرة, ومنها ما لا يمكن أن يكون محل بحث إلا في نطاق محدود فبأي صورة طرحت الشورى وتحقق الغاية منها فإن الإسلام يقره ويرتضيه.

ومن هنا يمكن القول أن أساليب الشورى ووسائلها تتغير بحسب ما تقتضيه مصلحة الأمة ويوافق متطلبات العصر ولا يختلف مع شرع الله في شيء، وإن قيام مجالس للشورى لا يصادر حق ولي الأمر في إصدار القرار بعد المشاورة وبيان الصواب وإنما يحد من التسلط أو الوقوع في الخطأ, وليس بمهم تسميات هذه المجالس سواء سميت مجالس شورى أو مجالس نواب أو غير ذلك.

أما أسلوب الاختيار الأمثل فإن فقهاء السياسة والعلماء يختلفون في العصر الحاضر فمنهم من ذهب إلى أن الطريق الأمثل هو الانتخاب مباشرة من الشعب بشرط أن تضع الدولة الإسلامية نظاماً لإجراء هذا الانتخاب وضمان سلامته على أن يتضمن هذا النظام أو القانون تعيين الشروط على ضوء ما ذكره الفقهاء وحجة أصحاب هذا الاتجاه يتمثل في أمرين:

الأول: أن اختيار ممثل الأمة بطريق الانتخاب يجد مستنده في القرآن الكريم وذلك في آيتي الشورى وهما قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وقوله (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وانتخاب ممثل الأمة منهم أهم الأمور التي تجري فيها الشورى، وإجراء الشورى فيها يكون باستشارة أفراد الأمة فيمن يكونون ممثلين عنها, والوسيلة لمعرفة رأي أفراد الأمة هو الانتخاب ويقولون أن سند ذلك كما هو موجود في كتاب الله العزيز فإن القارئ يجد سنده في السيرة النبوية وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام لأهل بيعة العقبة: أخرجوا منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم, فاخرجوا عليهم اثنى عشر نقيباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس, قال ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال للنقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي. قالوا: نعم. (٢)

الأمر الثاني: قالوا أن كل طريق يمكن به تبين من يحوز ثقة جمهور الأمة هو جائزٌ شرعاً إذ الأصل في الأشياء الإباحة، ولا شك أن طريق الانتخاب في هذا الزمان هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تظهر رأي الأمة فيمن يمثلها بشرط أن لا يستعمل فيها التزوير والغش والخداع وما إلى ذلك مما يحرمه الشرع. (٣)

ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الانتخاب ليس بمحظور شرعاً ولا يتعارض مع أهداف النظام الإسلامي وما تقتضيه المصلحة ولكن بشرط أن يجري الانتخاب بحرية تامة بعيداً عن الهوى والتزييف أو التزوير. (٤) وقد قال الإمام أبو الأعلى المودودي أنه يجوز أن تستخدم اليوم على حسب أحوالنا وحاجاتنا كل طريق مباح يمكن به تبين من يحوز ثقة جمهور الأمة, ولا شك أن طرق الانتخاب في هذا الزمان هي أيضاً من الطرق المباحة التي يجوز لنا استخدامها بشرط أن لا يستعمل فيها ما يستعمل من الحيل والوسائل المرذولة. (٥) وقد نقل الدكتور الباز عن الإمام حسن البناء قوله لقد رتب النظام الحديث


(١) - انظر ابن خلدون - المجلد الثاني ج١ - ص١٢٨.
(٢) - ابن كثير في السيرة ج١ - ص٣٤٦ - ٣٤٧.
(٣) - نقل هذا الرأي هاني سليمان الطعيمات عن الأستاذ راشد الغنوشي عن خالد محمد خالد في كتابه الدولة في الإسلام، ومحمد أسد في كتابه منهاج الإسلام في الحكم، والمودودي في كتابه تدوين الدستور الإسلامي - راجع كتابه الحريات في الدولة الإسلامية ص ١٢٥، ١٢٤ - كما ذهب إلى هذا الرأي الدكتور عبدالكريم زيدان في مجموعة بحوث فقهية ص ٩٨ - والدكتور منير البياتي في كتابه النظام السياسي الإسلامي ص ١٧٧. وراجع أيضاً الدكتور هاني سعيد الطعيمات في حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ص ١٢٧، ١٢٨.
(٤) - انظر الدكتور عبدالكريم زيدان في كتابه أصول الدعوة - الناشر مؤسسة الرسالة مكتبة القدس الطبعة الثانية ١٤٠٧ - ١٩٨٩. ص٢٥٥. والشورى والديمقراطية - دراسة تحليلية وتأصيلية لجوهر النظام البرلماني مقارنة بالشريعة الإسلامية ص ١٤٦ للدكتور داود الباز - الناشر دار الفكر الجامعي ص ١٤٦.
(٥) - انظر أبو الأعلى المودودي في تدوين الدستور الإسلامي ص ٤٨.

<<  <   >  >>