للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإسحاق وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) وواضح أن الآية في فضل الشكر على الهداية وقوله تعالى (وَمَا أكثر النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) وهي الآية (١٠٣) من سورة يوسف والآيات بعدها (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) وواضح أن الآيات في شأن الإيمان بالله مع المشركين, أما قوله تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً) فهي جزء من الآية (٣٦) من سورة يونس ونصها (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) وقبلها الآيات (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إلى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١) فالآيات إذاً في شأن الكفار وكذلك الآية (وَإِن تُطِعْ أكثر مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) الآية (١١٦) سورة الأنعام فهي من شأن أهل الكتاب والكفار بدليل السياق قبلها والآية التي بعدها (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، أما الآية (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) فهي جزء من الآية (١١١) من سورة الأنعام وهي (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) والآية في غنى عن الشرح, أما الآية (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) فهي جزء من الآية (٢٤) من سورة ص ونصها (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) فشأن المؤمنين ألا يبغي بعضهم على بعض, ولا أدري ما علاقة هذه الآية بموضوعنا -أي موضوع الشورى- , والآية (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) وهي جزء من الآية (١٠٠) من سورة المائدة وبقيتها (فَاتَّقُواْ اللهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فهو تحذير لأهل العقل أن يغتروا بكثرة الباطل وانتشاره, فالشيء إذا كان خبيثاً في أصله فكثرته وانتشاره لا تجعله طيباً بل يبقى على خبثه, وهل نحن ادعينا أن كثرة أي شيء مطلقاً يدل على صحته وطيبته أم دعوانا منحصرة في أكثرية المؤمنين على مسألة خلافية.

فالآيات لا علاقة لها بموضوعنا لا من قريب ولا من بعيد فبعض الآيات في شأن الكفار وبعضها متعلقة بشأن العقيدة والدين والآخرة, فلا علاقة للآيات بمسألة ذم الكثرة في مسألة الإنتخابات وشؤون السياسة والحكم, إذاً فاستدلال البعض بالآيات السابق شرحها لإثبات أن الكثرة جاهلة وأنها مذمومة غير صحيح, وكما قال الأستاذ عبدالقادر عودة في الإسلام وأوضاعنا السياسية (وربما صح عقلاً أن يأتي رأي الأكثرين خطأ ورأي الأقلين صواباً ولكن هذا نادر والنادر لا حكم له, والمفروض شرعاً أن رأي الأكثرين هو الصواب ما دام كلهم يبدي رأيه مجرداً لله, وأساس ذلك قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة) (٢) , وفي رواية (سألت الله أن لا تجتمع أمتي على ضلالة وأعطانيها) فالله يسدد دائماً خطى الجماعة ويوجهها إلى الرأي السديد, من هذا يتضح أن الشورى ملزمة وأن هذا ما عنته الآية الكريمة (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) وليس العكس كما صوروه أو هو دال على الأخذ برأي الأكثرية فقد روي عن علي رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن العزم قال: (مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم) (٣) , فكأن الآية تقول دم على استشارة أصحابك ودم على أخذ رأيهم ولا تكونن هذه النتيجة الخاطئة (هزيمة المؤمنين في أحد) مانعة لك من الأخذ بالشورى ورأي الغالبية مستقبلاً,


(١) - سورة يونس (٣٤ - ٣٥).
(٢) - لفظ الطبراني وغيره يد الله مع الجماعة ولفظ الترمذي يد الله على الجماعة اتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار وقد حسنه الترمذي وأورده العجلوني في كشف الخفاء حديث ٣٢٣٣.
(٣) - رواه ابن مردويه ونقله عن الحافظ ابن كثير في تفسيره ج١ - ص ٤٣٠ والإمام السيوطي في الدر المنثور ج٢، ص ٩٠.

<<  <   >  >>