للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلتحصين النشء من ضرر الاستبداد يجب علينا أن نتخذ الشورى منهجاً وأن نعلمها كما نعلم الصلاة والزكاة وأن تتبنى ذلك المدرسة والمسجد, فالمسؤولية هي مسؤولية الجميع, ولا يمكن تربية الفرد المسلم تربية سياسية إسلامية صحيحة ويكون مواطناً صالحاً ما لم يكن قد تعلم الشورى في بيته ومدرسته ومسجده, لأن الشورى من صفات المؤمنين الذين استجابوا لربهم, فالذي لا يتصف بها يكون بلا شك ناقص الإيمان, وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أكثر الناس مشاورة لأصحابه فكيف بأفراد الأمة, فالشورى ينبغي أن تكون صفة لكل فرد مسلم, فرب الأسرة وهو مسؤول أمام الله عن سياستها عليه أن يشاور أفرادها وأهل المعرفة والخبرة من أجل حسن سياستها وقيادتها, وكذلك الوزير في وزارته هو مسؤول أمام الله عن حسن سياسته ومدير المؤسسة والمدرسة, فلا يصح أن نجتزئ من القرآن صفات نتحلى بها وصفات نهملها فنكون ممن جعلوا القرآن عضين, فمن أخذ بالهدي النبوي والشريعة الإسلامية كمنظومة متكاملة فإنه سيكون قد غرس في نفسه الفضيلة وفي مجتمعه وابتعد عن الظلم والقهر والتسلط وفكرة الإرهاب غير المشروع, ولا يمكن أن يكون الإنسان قد أدى الأمانة ما لم يكن قد التزم في سلوكه بكل التكاليف التي أمر الله بها وتعلم كيف يَحترِم الناس وكيف يتعاون معهم وكيف يستفيد من آرائهم وكيف ينتمي إلى مجتمعهم الذي يعيش فيه, فعلماء الإجتماع يرون أن المجتمع سابق على الفرد, أي أن الفرد يوجد ضمن المجتمع ولا يوجد بدونه, وعندما يتفاعل الفرد مع مجتمعه يشاورهم ويتعاون معهم فإنه يكون قد نهج نهجاً سليماً, أما إذا انعزل عن المجتمع فإنه يكون قد عبر عن الشذوذ بفراره من المجتمع, فالمؤمن الحق هو الذي يألف الناس ويألفونه ويحبهم ويحبونه, ولا يمكن أن يكون الإنسان متجنباً للفتن ومتخلصاً من الشرور ما لم يكن عضواً فاعلاً في المجتمع, ولهذا فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

ولا شك أن التشاور والتناصح توأمان وأن كليهما يبعث على المحبة ويدعو إلى التآزر والتآخي, وقد جاء في الحديث (إن أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب


(١) - الآية ١٠٤ من سورة آل عمران.

<<  <   >  >>