للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالسياسة التي يكون أساسها ومرتكزها الشورى هي السبيل الأمثل لمعالجة أمور الدنيا وإدارتها، سواء كان في نطاق اختيار الحاكم أو الأسرة أو المجتمع، أو في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين عن طريق إيجاد تشريع يتفق مع النصوص الشرعية وينسجم مع متطلبات الزمان.

وقد ذكر الدكتور محمد عمارة: أن الشورى في القرآن فلسفة يزكيها (أي القرآن) كي تكون السبيل لمعالجة أمور الدنيا وسياستها. وإلى فلسفة الشورى انحازت السنة النبوية، فعبر الأحاديث الكثيرة التي تحبذها وتمتدحها من قبل حديث: (المستشير معان، والمستشار مؤتمن) (١) , نجد أن تراث دولة الرسول في الأمور السياسية في المدينة حافل بالنماذج التي تجسد الشورى كفلسفة في السياسة، فكل قراراته السياسية كانت خاضعة للتشاور وكثيراً ما عدل عن رأيه حينما كشفت المشاورة عن خطأه، وكثيراً ما سأله الصحابة عن رأيه أو موقفه: أوحي هو أم رأي؟ فإن قال لهم أنه رأي، قدّموا ما عندهم وكانت الشورى سبيلاً لتعديل الرأي أو الموقف، وانطلاقاً من ذلك التراث السياسي والعملي كان إجماع المسلمين بعد رسولهم صلى الله عليه وآله وسلم على أن الشورى هي السبيل لقيام رأس الدولة ومن ثم جهاز الدولة في المجتمع الإسلامي، فهم قد اختلفوا على شخصية الخليفة ولكنهم اتفقوا على أسلوب اختياره وفلسفة تعيينه وطريق تمييزه، فالأنصار أرادوا اختيار سعد بن عبادة، وجمهرة المهاجرين أرادوا اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ونفر من المهاجرين مال إلى اختيار علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم استقروا بعد ذلك على اختيار أبي بكر، وظلت هذه فلسفتهم وتلك سبيلهم إلى أن تحولت الخلافة إلى ملك عضوض على يد معاوية بن أبي سفيان بتأسيس الدولة الأموية.

ولقد انتصر طوال دولة الخلافة الراشدة الرأيُ الذي جعل السلطة الحقيقية في الشورى بيد هيئة المهاجرين الأولين والتي كانت بمثابة حكومة الرسول في المدينة والتي تكونت من عشرة قرشيين والذين تميزوا بكونهم من ذوي النفوذ في قريش الممثلين لأهم بطونها السابقين إلى الإسلام والمهاجرين فيمن هاجر إلى المدينة, فهذه الهيئة كانت تحيط بيوت أعضائها بمسجد المدينة مقر الحكومة ولها أبواب تفضي إليه دون غيرهم من المسلمين، وفي الحرب


(١) - أبو داود في السنن - كتاب الأدب - باب في المشورة. حديث ٥١٢٨، والترمذي في كتاب الأدب- باب: أن المستشار مؤتمن. حديث ٢٨٢٢، ٢٨٢٣، وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه في كتاب الأدب - باب المستشار مؤتمن حديث ٣٧٤٥، ٣٧٤٦.

<<  <   >  >>