للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقانون واجب الاتباع إنما هو القانون العادل الذي يتحقق به النفع وتعم به الفائدة ويسير وفق منهاج الحق على هدى من شريعة الله, ومن خصائص الأمة أن تجعل من الشورى مبدء للتشريع ومنهجاً وسلوكاً يسير عليه علمائها وذوو التخصص من أبنائها, ذلك أنه لما كانت النصوص متناهية والأحداث غير متناهية فمن الضروري أن يحال تفهمها على أولي العلم حتى يطبقوا النصوص ويوجهوا إليها أحداثهم الجديدة لتحكمها النصوص, وهذا هو مسلك القرآن قال تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (١) ولا اعتراض على القرآن حين اقتصر على كبريات الجرائم والعقوبات ومهمات الأمور وترك الباقي لأولي العلم يبينونه ويفسرونه بعد أن رسم لهم مبادئ كلية لا يجوز لهم الخروج عليها، فما وصلت إليه الديمقراطية في المجالس النيابية وعرف بالسلطة التشريعية ليس جديداً على القرآن إذ قد سيق في تقرير مبدء الشورى كما أوضح ذلك الدكتور محمد عبد المنعم الضبعي (٢) وقال أنها إذا كانت دساتير العالم الحديث تفصل السلطات وتؤكد استقلالها فإن القرآن أكد هذه المبادئ وأقر سلطة تشريعية خولها في الحقوق أن تنظر في مصالح المسلمين، وأن ما تراه حجة عليهم يلتزمون به, على أن للسلطة التشريعية قواعد يجب أن نلتزم بها لخصها في أربع نقاط:

١. أن لا تخالف نصاً في كتاب أو سنة صحيحة.

٢. أن يتمتع أفراد هذه السلطة بسداد الرأي.

٣. أن تكون المناقشات في حرية تامة بعيدة عن الجدل, وأن يكون الغرض منها الوصول إلى الحق.

٤. اتباع الحق ولو انفرد به واحد وألا يناقَش أمرٌ فرغ منه.

قلت ويضاف إلى هذه النقاط ما يشير إليه العلماء في إعمال القياس وعدم مخالفة الإجماع وعمومية النص وتجريده وتوافقه مع المبادئ العامة للتشريع القائم على العدل


(١) - النساء الآية (٨٣).
(٢) - هو العلامة والأستاذ الجليل ورئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر وقد ذكر ذلك في كتابه القيم نظرية القرآن إلى الجريمة والعقاب ص ٨٦ المكتبة التجارية مكة المكرمة الناشر دار المنار للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة الطبعة الأولى- ١٤٠٨هـ سنة ١٩٨٨م.

<<  <   >  >>