للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمة وإعطاء الرأي, وليس الرأي من أقل الأعمال جهداً وأدناها مشقة؛ لأنه لا ينبع عن عفوية في الأمور العامة وإنما ينبع عن علم وإيمان ومعرفة وهو مسؤولية عظيمة وأمانة جسيمة يُسأل عنها الإنسان ديناً ودنيا. قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (١) وقال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (٢). إذاً فإنه لا بد لسداد الرأي من سلامة القلب وصدق الإيمان والإخلاص في النية والتجرد من الهوى، فالاستقلال في الرأي سبيل إلى تحري الوجه السديد الخالي من المزاجية والعصبية والهوى، فالرأي إذا انبعث من الهوى صار ضاراً لأنه يُضيّق النظرة في الأمور ويفسدها وينحرف عن الطريق والمنهاج السوي، ولهذا أرشد الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل إلى الإبتعاد عن الهوى فقال جل شأنه: (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) (٣) وقال تعالى: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) (٤) وقال تعالى: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (٥) وقال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) (٦) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على ذم الهوى ومتابعته لأنه يفسد الرأي وقد جاء في كلام بعض الشعراء:

ضلال العقول في اتباع الهوى ... ولا حيلة في ضلال العقول ...

وقال الدكتور عز الدين التميمي أنه لا ينبغي أن يكون المستشار صاحب هوى لأن الرأي إذا نبع من الهوى وانبعث من المزاجية أصبح ضاراً (٧).


(١) - سورة الإسراء ٣٦.
(٢) - الآية ١٨ من سورة (ق).
(٣) - الآية ١٣٥ من سورة النساء.
(٤) - الآية ٢٨ من سورة الكهف.
(٥) - الآية ٢٦ من سورة ص.
(٦) - الآية ٤٣ من سورة الشورى.
(٧) - عز الدين التميمي في الشورى بين الأصالة والمعاصرة, ص٣٨ , الطبعة الأولى سنة ١٤٠٥هـ الناشر: دار البشير للنشر والتوزيع - عمان.

<<  <   >  >>