للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استعرض فقهاء السياسة الشرعية في الإسلام كالإمامين الماوردي وأبي يعلى الفراء في كتابيهما عن الأحكام السلطانية الولايات المتعددة في الدولة وعددوا اختصاص كل منها، والشروط اللازمة لشغلها ولم يمنعوا أحداً يستجمع شروط وظيفة عامة عن شغلها لمانع عرقي أو طبقي, وكذلك فعل الإمام ابن تيمية عندما عرض للولايات في كتابه السياسة الشرعية، وبمعنى آخر فإنه قد يحقق في الإسلام مبدء المساواة أمام وظائف الدولة، وهو أحد المبادئ التي يسعى فقهاء القانون إلى تحقيقها في الدولة المعاصرة، وهو لا يعني المساواة الفعلية بإلحاق كل مواطن في الوظيفة العامة، وإنما يعني أن يعامل جميع المواطنين نفس المعاملة في فرصة الإلتحاق بالوظائف من حيث شروط الوظيفة والمؤهلات التي يتطلبها القانون ومن حيث المزايا والحقوق والواجبات والمرتبات والمكافئات المحددة لها دون تمييز طبقي أو اجتماعي.

فمبدء المساواة في الدولة الإسلامية في الحقوق والواجبات هو مبدء أصيل ويتمثل هذا المبدء في أن جميع الناس سواسية في طبيعتهم البشرية, وأن ليس هناك جماعة تفضل غيرها بحسب عنصرها الإنساني أو انحدارها من سلالة خاصة، وأن التفاضل بين الناس إنما يقوم عن طريقة أخرى خارجة عن طبيعتهم وعناصرهم وسلالتهم, فيقوم مثلاً على أساس تفاوتهم في الكفاءة والعلم والأخلاق والتقوى وغير ذلك من الأعمال التي يقدمها كل منهم لربه ولنفسه ولمجتمعه ولإنسانيته (١).

ولما لمبدء المساواة من الأهمية فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعلنه في خطبة أيام التشريق, فقرر أنه لا فضل لعجمي على عربي إلا بالتقوى، وقد طبق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا المبدء وجاء في خطبته صلى الله عليه وآله وسلم (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وأباكم واحد, ألا لا فضل لعجمي على عربي ولا لعربي على عجمي إلا بالتقوى) (٢).


(١) - انظر المساواة في الإسلام للدكتور علي عبدالوافي - الناشر: شركة مكتبة عكاظ للنشر ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م - ص ٩.
(٢) - انظر مسند الأنصار الثاني عشر - مسند الإمام أحمد - حديث ٢٣٤٨٩ - طبعة بيت الأفكار الدولية - والحديث سنده صحيح.

<<  <   >  >>