للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الحديث ذكر مبدء المساواة في الحقوق والواجبات والتكاليف في التعامل والمساواة في الفرص المتاحة لأفراد الأمة؛ فلا تمايز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو النسب (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (١).

وهذا الحق من منظور إنساني وإسلامي يعني مساهمة الفرد في إدارة شؤون الدولة أو في حكمها, ويستطيع بواسطته المشاركة في الحياة العامة لبناء المجتمع الإنساني وإدارة شؤونه (٢)، وإذا كان الأمر كذلك فإن الوظائف العامة في الدولة تشتمل على مختلف المناصب الإدارية والتشريعية والقضائية والحكم في طلبها وطرق توليتها يختلف باختلاف الأحوال.

والشورى فيها كلها قائمة, فطريقة تولية رئيس الدولة أو الخليفة أو الملك أو الإمام أو السلطان تختلف عن طريق تولية وظائف الدولة المهمة كالوزارات وقيادة الجيش ورئاسة الوحدات الإدارية، وهذه تختلف أيضاً عن طريق إختيار أعضاء مجالس الشورى أو النواب أو الشيوخ أو الأعيان، والإختلاف في الطريقة يرجع إلى اختلاف طبيعة تلك الوظائف فمنصب الرئيس أو الخليفة أو السلطان هو نيابة عن الأمة في إدارة شؤونها وتنفيذ ما هي مكلفة به شرعاً, فكانت الأمة هي صاحبة الحق في اختيار الرئيس أو الملك ليزاول ما تملكه من سلطة نيابة عنها.

وللعلماء خلاف هل السلطان أو الخليفة أو الرئيس ينوب عن الله أو عن الأمة والظاهر أن بني الإنسان مستخلفون في الأرض وأن من تختاره الأمة ليكون رئيساً أو خليفة ينوب عنها في إدارة شؤونها العامة وفقاً لمنهج الله وهدي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الماوردي الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (٣).

وقد عرَّف العلماء منصب الخليفة أنه رئاسة عامة لشخص مخصوص بحكم الشرع ليس فوق يده يد إلا يد الله سبحانه، والسلطان الذي يؤتاه صاحب الإمامة (الرياسة العامة) مستمد من الأمة لا سلطان عليه إلا منها (٤) , فهو ينوب عن الأمة في إدارة شؤون الحكم وحفظ بيضة الإسلام ودفع من أرادها بمكروه والأخذ على يد الظالم وإنصاف المظلوم وتأمين السبل وأخذ الحقوق الواجبة على مقتضى الشرع ووضعها في مواضعها، وحفظ الشعائر والمقدسات الدينية إلى غير ذلك من الأعباء التي لا يمكن أن يقوم بها شخص بمفرده، ولهذا وجب على الأمة أن يتشاوروا وأن يختاروا رئيساً لهم أو إماماً أو خليفة, فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمّروا عليهم أحدهم) (٥) وفي حديث آخر (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّر عليهم أحدهم) قال الشوكاني: وفي ذلك دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون، ومع التأمير يقل الإختلاف وتجتمع الكلمة، وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم ودرء التخاصم أولى وأحرى وفي ذلك دليل لقول من قال أنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام (٦).

قلت والظاهر أنه من باب أولى يجب على المسلمين اختيار من يدير شؤونهم ولكن عن طريق الشورى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (لو كنت مؤمّراً أحداً دون مشورة المؤمنين لأمّرتُ ابن أم عبد) (٧) وقد روى الضياء المقدسي في المختارة عن سعيد بن زيد أن النبي


(١) - الآية (١٣) سورة الحجرات.
(٢) - انظر تفصيل أوسع مؤلفنا حقوق الإنسان في السنة النبوية- ص ٤٥٥ وما بعدها.
(٣) - انظر الماوردي في الأحكام السلطانية.
(٤) - انظر التاج المذهب في أحكام المذهب للعلامة المحقق المجتهد أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني ج ٤ - ص٤٠٥ مطبعة دار إحياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البأبي الحلبي وشركاه ١٣٦٦هـ١٩٤٧م.
(٥) - انظر أبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في القوم مسافرون يؤمرون أحدهم - حديث ٢٦٠٨ - حديث ٢٦٠٩.
(٦) - الشوكاني - نيل الأوطار - ٨ - ٢٨٢.
(٧) - سبق تخريجه.

<<  <   >  >>