للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حدوث الاختمار من دون هواء ومن بعد تعقيم المواد المجرب عليها ثم أخذ الزجاجة وسد فمها سداً محكماً فكبه في إناء مملوء الزئبق. فبعد أن برد في الزجاجة أدخل إليها من تحت الزئبق كمية من الأوكسجين وبضعة غرامات من حشيش يابس معقم فما لبث الماء أن فسد والزجاجة في الزئبق لم يدخلها الهواء فاستنتج المعلم الموما إليه بأن هذه قد حصلت من ذاتها ولم تأت لا من المواد التي كانت قد عقمت ولا من الهواء الذي لم يدخل الزجاجة. فرد عليه وباستور بأن جراثيم التي ظهرت بماء الزجاجة إنما وصلت إليه بواسطة الزئبق الذي لم يعقم قبل التجربة وكان معرضاً للهواء تتساقط عليه الجراثيم المنثورة في الهباء ثم أخذ وباستور بالاتفاق مع شفر ويل في إعادته جميع التجارب التي تثبت رأي الحيويين وذلك بأسلوب جلي بسيط تراه العيون وتدركه العقول فصنعا زجاجة ذات عنق كالأنبوب طولها نحو متر أو أكثر منحنية على زاوية قائمة عند أصلها وذات تعرجات كثيرة أشبه بالحية الزاحفة تنتهي فوهتها منحنية نحو الأرض. والغرض من ذلك أن الهواء الداخل إلى الزجاجة بمروره في الأنبوب يترك في تعرجاته جميع ما يحمله من الهباء حتى ينتقي إذا وصل إلى داخل الزجاجة واختلط بالسائل. فيكون بهذه الواسطة غنياً عن جميع الوسائل التي اتخذها المجربون من قبل لتنقية الهواء فكانت هذه التجربة الأخيرة لأنها أكدت جميع ما قبلها وقطعت قول كل معترض. وناهيك بأن وباستور لم يكن يكتف بتجاربه العديدة على ملاحظة زجاجة واحدة لا اختلاف بينها البتة. فكان يعقم الزجاجات وما فيها ويتركها في مكان خاص تصلح درجة حرارته لحدوث الاختمار فلم يظهر ذلك في شيء منها. فكان السائل يختلط ببعض الجراثيم المتساقطة في الأنبوب فيختمر لا محالة. وقصارى القول فإن الزجاجات المعقمة كانت تبقى كذلك أبداً ما لم يدخل إليها عمداً للاختبار بعض جراثيم الاختمار. فاشتهرت تلك التجارب وعرفت قواعدها وشروطها في العالمين حتى صارت دستور العمل لحفظ المأكولات والمشروبات ووقايتها من الفساد وسميت باسم واضعها ومكتشفها وباستور. وعندما كثر المجربون واختلفت مآربهم ودرجة معلوماتهم في فن الميكروب تهاون بعضهم في الدقة واستكمال الشروط التي لا بد منها للنجاح حبطت بعض تجاربهم فاعتمدوا على القواعد الموضوعة وغالطوها وادعوا بأنهم اتخذوا جميع الوسائط المقررة فلم يتمكنوا من منع الفساد والاختمار ولما كأن ذلك نتيجة خطأهم وقلة دقتهم وقصر