للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحب ثلاثة حباً حقيقياً وهم خطيبها الأول والآنسة اينيس الفرنسية إحدى صويحباتها وابنها البكر وكانت تنشئ له جريدة ذكر لرغبتها الشديدة في تربيته ما أمكن وهناك دليل على أنها كانت ضعيفة في هذا المعنى لا تدري ما تعمله. مثال ذلك أنها كانت تؤنبه عندما يشتد فيه شعور الإحساس فيبكي مثلاً عندما يشاهد الحيوانات تتألم أمامه لأن على المرء برأيها أن يكون قاسي القلب وكانت تعاتبه على الصغائر كان يقول لجدته أشكرك عوضاً عن أن يقول لها أسعد الله صباحك ومساءك. وأكدت لي خالتي أن أمي كانت تحبني وأني كنت أحد من يحبه قلبها وخلفت والدتي خمسة أولاد كانت آخرهم ابنة ماتت في نفاسها. وظلت مع والدي تسع سنين كانت أيام سعد ورخاء فكانت على علو منزلتها ولطافة أخلاقها وآدابها تحب من حولها ويحبونها وكانت أميل إلى العزلة تصرف وقتها بأولادها ومطالعة الروايات أمام جدتي في الليل بصوت عال والاشتغال بمطالعات نافعة مثل كتاب أميل للفيلسوف روسو والمذاكرة فيما قرأته ويقضين شيئاً من الوقت في الضرب على آلة طرب ثم يتدارسن اللغة الإيطالية وتتنزه وترى أعمال المنزل.

لبعض الأسرات أوقات من الصفاء لا يزعجها موت أحدهم ولا مرض أفرادهم فيعيشون سعداء وهذا الدور صادفته والدتي إلى حين وفاتها فكان والدي يدخل البهجة على قلوب أهل البيت بما يوفره على ذكره من الأضاحيك الملهية والأحاديث المسلية.

هذا ما عرفته من مطالعة المفكرات والرسائل عن والدتي وحياتي في بيتنا على ذاك العهد في الطفولية وهاأنا ذا وصلت إلى وقت ألم فيه بما أذكره بنفسي فأرويه مقروناً بأشخاصه وأماكنه. أما والدي فقد كان عمره سنة ١٨١٢ سبع عشر سنة انخرط في سلك الجيش على كثرة توسل أهله به ليرجع عما قصده له خوفهم عليه وكان إذ ذاك أحد أنسائنا قائد الجيش العامل فعينه له حاجباً واشترك في حرب سنة١٨١٣ - ١٨١٤ وأسره الفرنسيين ولم يخلص من الأسر إلا سنة ١٨١٥ عندما دخل جيشنا باريس.

بلغ العشرين من عمره ولم يكن على شيء من العفاف حتى أن أهله زوجوه بخادمة وكان عمره ست عشر سنة تفادياً من أن تسوء صحته على نحو ما كان القوم يذهبون إليه إذ ذاك فولد له منها ابن دعوة ميشانكا عاش في حياة والدي عيشة حسنة ثم ساءت حاله فكأن كثيراً ما يلجأ إلينا لنعينه وأني لا أذكر شعور التعجب الغريب الذي شعرت به عندما أمسي أخي