للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على نحو ما ذكر ما هي معروفة عند أرباب الأفكار الحديثة. كانت سلطة الأب على أولاده مطلقة في القديم وجعلت الوصايا العشر بر الوالدين من أقدس واجبات الأبناء فإذا قال الولد لأبيه أفٍ وخرج عن طاعته يعاقب بالموت. ومثل هذا القانون كان نافذاً في أثينة وإن كان بشدة أقل. وكان لرب الأسرة في رومية الحق المطلق أن يقمع ما ارتكب أبناؤه وأهله من الأغلاط ولم تكن صلة القربى منظور لها بأنها نتيجة عقد بين الزوجين ولا يتيسر حلها اللهم إلا عند الجرمان والصقالبة (السلافيين) وما كان الابن حراً بالخروج من أسرته بمحض إرادته بل من الضروري استحصال رضى والده يمنحه إياه في صورة كأنه يحرره من رقه.

وغير نكير أن الطفل على جهله في كل شيء محتاج للتعليم والتهذيب فيجب عليه الطاعة لوالديه ويجب عليهما أن يحباه كثيراً ويحترماه بما بينهما من الصلات وبما يعاملانه به من المعاملة الحسنة لتكون تلط الطاعة مبنية على العطف والطبيعة. يجب أن تقوى فيه الرغبة في التعليم والعادة على الافتكار والشعور بالعدل وطيب السريرة تلك الصفات التي تضيق الخناق على أهوائه وتجعله عضواً نافعاً في حياته المستقبلية. فإذا اعتاد ذهنه الاشتغال يقوى ويجود كما يقوى الشعور بالمسؤولية. يجدر أن تترك له حريته وأن يستعاض عن إخضاعه لأوامر والديه بنصائح فيها العطف والحنان. فإذا طلب إلى الولد وقد استكملت سنه أن يحتفظ كل الحفظ بما يلزم من الطاعة وهو على كمال الاستحكام في قواه فيعد ذلك إجحافاً بحقوقه وإحراجاً لصدره. وعلى الوالد في تلك الحال أن لا يكون إلا بمنزلة صديق يؤخذ كلامه بالإجلال لا أن يكون بمنزلة معلم يسيطر على مستقبل ليس له منه ناقة ولا جمل.

كان التبني يسهل كثيراً في القديم فوضعت له القوانين اليوم قيوداً وشروطاً. وأخذت الصلات العائلية في الانحطاط عند الطبقات التي هي أكثر من غيرها انغماساً في الحضارة في أوروبا وأميركا فكان للحياة الخاصة في سالف الأزمان صفة ثابتة نتجت من النظام الاجتماعي الموضوع الذي فقد في المدن الكبرى لهذا العهد. وكان من ازدياد صلات الأمم بعضها مع بعض وتمازج العناصر المختلفة تعديل كثير من العادات المتأصلة والآراء التي كانت تتخيل سابقاً فزاد الارتباط بين الأفراد والمجموع الذين هم بعضه ودعت سهولة