للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذاب حتى يبلغ به أن يقول الصدق في رجل هارب استدلني عليه طالب ليظلمه فيقتله لكسر عليه قياده وكان الرأي له أن يترك ذلك وينصرف إلى المجمع عليه المعروف المستحسن.

ومما يذكر به أمير المؤمنين أهل الشام فإنهم أشد الناس مؤونة وأخوفهم عداوة وبائقة. وليس يؤاخذهم أمير المؤمنين بالعداوة ولا يطمع منهم في الاستجماع على المودة فمن الرأي في أمرهم أن يختص أمير المؤمنين منهم خاصة ممن يرجو عنده صلاحاً أو يعرف منه نصيحة أو وفاءً فإن أولئك لا يلبثون أن ينفصلوا عن أصحابهم في الرأي والهوى ويدخلوا فيما حملوا عليه من أمرهم فقد رأينا أشباه أولئك من أهل العراق الذين استدخلهم أهل الشام وليس أحد من أمر أهل السلم على القصاص حرموا كما كانوا يحرمون الناس وجعل فيئهم إلى غيرهم كما كان فيء غيرهم إليهم ونحوا عن المنابر والمجالس والأعمال كما كانوا ينحون عن ذلك من لا يجهلون فضله في السابقة والمواضع ومنعت منهم المرافق كما كانوا يمنعون الناس أن ينالوا معهم أكلة من الطعام الذي يصنعه أمراؤهم للعامة. فإن رغب أمير المؤمنين لنفسه عن هذه السيرة وما أشبهها فلم يعارض ما عاب ولم يمثل ما سخط كان العدل أن يقتصر بهم على فيئهم فيجعل ما خرج من كور الشام فضلاً عن النفقات وما خرج من مصر فضلاً عن حقوق أهل المدينة ومكة بأن يجعل أمير المؤمنين ديوان مقاتلتهم ديوانهم أو يزيد وينقص غير أنه يأخذ أهل القوة والغناء وخفة المؤونة والعفة في الطاعة ولا يفضل أحداً منهم على أحد إلا على خاصة معلومة ويكون الديوان كالغرض المستأنف ويأمر لكل جند من أجناد أهل الشام بعدة من العيال يقترعون عليها ويسوي بينهم فيما لم يكونوا أسوة فيه فيمن مات من عيالاتهم ولا يصنع بأحد من المسلمين.

وأما ما يتخوف المتخوفون من نزواتهم فلعمري لئن أخذوا بالحق ولم يؤاخذوا به أنهم لخلقاء أن يكون لهم نزوات ونزقات ولكنا على مثل اليقين بحمد الله من أنهم لم يشركوا بذلك إلا أنفسهم وأن الدائرة لأمير المؤمنين عليهم آخر الدهر إن شاء الله. فإنه لم يخرج الملك من قوم إلا بقيت فيهم بقية يتوثبون بها ثم كان ذلك التوثب هو سبب استئصالهم وتدويخهم.