للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلكان نقلاً عن الجاحظ: أن ابن المقفع ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد كانوا يتهمون في دينهم قال بعضهم: كيف نسي الجاحظ نفسه. قلنا وعبارة الجاحظ في بعض رسائله بشأن ابن المقفع تشير إلى قصوره في علم الكلام فقط فإنه قال:

فصلٌ ومن المعلمين ثم من البلغاء المتأدبين عبد الله بن المقفع ويكنى أبا عمرو وكان يتولى لآل الأهتم وكان مقدماًُ في بلاغة اللسان والقلم والترجمة واختراع المعاني وابتداع السير وكان جواداً فارساً جميلاً وكان إذا شاء أن يقول الشعر قاله وكان يتعاطى الكلام ولا يحسن منه لا قليلاً ولا كثيراً وكان ضابطاً لحكايات المقالات ولا يعرف من أين غر المغتر ووثق الواثق وإذا أردت أن تعتبر ذلك إن كنت في خلص المتكلمين ومن النظارين فاعتبر ذلك بأن تنظر في آخر رسالته الهاشمية فإنك تجده جيد الحكاية لدعوى القوم رديء المدخل في مواضع الطعن عليهم. وقد يكون الرجل يحسن الصنف والصنفين من العلم فيظن نفسه عند ذلك أنه لا يحمل عقله على شيء غلا بعد به. أهـ.

لا جرم أن إطلاق ابن المقفع لسانه في المعتزلة دعا أحد أئمتها إلى أن يصدر عليه هذا الحكم الغريب ولكن الجاحظ أيضاً على ثبوت تدينه لم يسلم من هذا الطعن كما رأيت. وأن مسألة التهمة في الدين من الأمور التي شاعت في كل عصر ومصر ويكون المتهمون بها في معظم الأحوال أبرياء وإلا فكيف تسجل الزندقة على ابن المقفع إذا جرينا مع الدليل. وليست الزندقة بحثاً عما يضمره الإنسان في نفسه لأن مثل هذا لا يطلع عليه إلا الله تعالى ويكفي أن يقال هلاّ شققت عن قلبه. بل الزندقة التي تذكر في الكتب وتترتب عليها الأحكام ويسوء أن يقال عن فلان أنه زنديق أمور تقوم عليها بينات ظاهرة من أقوال وأفعال وكلام ابن المقفع في الدين يدل على شدة تمسكه وفرط ميله على ما يتجلى لك من رسائله.

ولو كان ثم سبيل لما ينسب إليه لاسيما مع غضب المنصور عليه لكان الأقرب أن يتقرب مثل المنصور بمثل ذلك وفيه ما فيه من إرضاء العامة وشفاء الغليل من العدو بحيث ينتقم منه مع إسقاطه ولا يعدم المنصور حينئذ حيلة في قتله جهاراً بهذه التهمة. أما اتهام ابن المقفع بمعارضة القرآن فتنصرف على القاعدة في اتهامه بالزندقة وما نظن القاضي عياض والباقلاني إلا ناقلين عن أناس من أهل السذاجة ومع ذلك فإنهما قالا أنه أناب.

التهمة بالزندقة أمر نشأت منه مضار كثيرة حتى لم يخل منها مثل الإمام الغزالي الذي كان