للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أقسام التاريخ]

التاريخ فرع واسع من أهم فروع الأدبيات المنثورة ينتهي بوقائعه المتسلسلة إلى درجة المشاهدات من حيث التحقيق والبحث. وعليه فتكون كلمة استوريا التي يقصد بها الروم البحث عن الحقيقة ـ منطبقة كل الانطباق على هذا العلم وموافقة كل الموافقة لموضوعه.

وبعد فإنا نرى أن التاريخ تلك الأقاصيص والنقول التي تأتي في عرض أناشيد الملاحم وعلى ألسن الفصحاء بل لا بد للحوادث التي يرويها التاريخ من الاستناد على أبحاث علمية معروفة وشهادات مزكاة وثيقة فله في البحث عن الوقائع وتثبيت الحادثات مقاصد كما أن لأصول ضبطه شرائط عامة كثيرة.

ليس للتاريخ أن يوغل في زوايا هذه الطبيعة الغنية فيضبط من حوادثها ما يتجلى كل يوم في مئات من ألوانها وصورها والألوف من أشكالها وهيئاتها بل أن غايته الوحيدة تدوين حياة الأفراد المتميزين بقوة ذكائهم وقوة إرادتهم أولئك الذين تقدموا أشواطاً في سبيل النشوء ولو عادت ثانية مضت من الزمان لرأتهم أرقى مما كانت تعهدهم.

أما الكائنات التي لم تمنحها العوامل والمؤثرات خاصة التدبير والذكاء فتسير وقائعها بسائق طبيعي متأثرة بمؤثر واحد سارية على مجرى واحد وماثلة في صورة واحدة. وإن البحث في ماضي هذه لا يجدي التاريخ نفعاً لأن هذا القسم من الخليقة متساوي النسق والأسلوب في كل زمان ومكان. فإن أفاد البحث فيها فالفائدة تعود على العلم وليس للتاريخ منها شيء ولعل بعضهم يسأل هنا قائلاً: إذا كان التاريخ لبا يبحث في حوادث الطبيعة المطردة فلماذا دعي القسم الكبير من علومها ـ الحيوان والنبات والجماد ـ بالتاريخ الطبيعي وأي علاقة للتاريخ بهذه الحوادث القانونية المطردة؟ والجواب عن ذلك أنه لا محل لهذه التسمية هنا وليس للتاريخ فيها دخل البتة وإنما هو اسم اصطلح عليه خطأ في هذا القسيم من العلم فحادثات تكون الكائنات ونشوؤها وتبدل المواسم وفصولها وكل قطعة محدودة من الأرض وكل ما عظم أو دق مقياسه ومقداره من سيارات السماء وثوابتها الزاهية وصفحات الفضاء ومناظرة البهجة كل هذه ليست من التاريخ في شيء ولئن دخل قليل منها في التاريخ فإنها تدخل بعض أحوالها المتعاقبة ومكتشفاتها المهمة التي لا تزال أدوارها مجهولة عندنا.

وعلى هذا فالتاريخ يبدأ من حيث ينتهي العلم وليس في أقسام التاريخ (تاريخ إلهي) لأنه لا ماضي للألوهية فيسطر ولا حال لها فيحرر بل هي هي المتجلية في كل شيء وما أجمل