للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كلا القطرين بعضهما عن بعض. وقد أنصفهما في الوصف أحد عمال الدولة وقد سئل عنهما فقال: مصر مزرعة ممرعة والشام مصيف بهيج.

إن كان ما تفاخر به البلاد بعضها بعضاً هذا إذا سوغنا التفاخر فبالعلم والتربية وغلبة الفضيلة والخير على طبقات الناس كلها لا بالماء والهواء والواحات والجبال والأودية والأشجار والأثمار وكل ما وزعته الطبيعة بين بلدان العالم فنال كل منها بحسب حالته. دخل أبو الحكم المغربي الأندلسي الحكيم المرسي مدينة دمشق فلما حلَّ ظاهرها سير غلاماً له يبتاع لهما ما يأكلانه في يومهما وأصحبه نزراً يكفي رجلين فعاد الغلام ومعه شواء، وفاكهة وحلواء، وفقاع وثلج، فنظر أبو الحكم إلى ما جاء به وقال له عند استكثاره أوجدت أحداً من معارفنا فقال لا وإنما ابتعت هذا بما كان معي وبقيت منه هذه البقية فقال أبو الحكم هذا بلد لا يحل لذي عقل أن يتعداه ودخل وارتاد منزلاً وسكنه وفتح دكان عطار يبيع به العطر ويطب وأقام على ذلك إلى أن وافاه أجله.

ومثل ذلك ما وقع للملك المعظم شمس الدين توران شاه أخو السلطان صلاح الدين يوسف لما تمهدت له بلاد اليمن واستقامت أمورها ملَّ المقام بها وحن إلى الشام وفيها نشأ واشتاق إلى خيراتها والتمتع بثمراتها إذ أن اليمن مجدبة من ذلك. قال ابن خلكان فكتب إلى أخيه صلاح الدين يستقيل منها ويسأله الإذن له في العود إلى الشام ويشكو حاله وما يقاسيه من عدم المرافق التي يحتاج إليها فأرسل إليه صلاح الدين رسولاً مضمون رسالته ترغيبه في الإقامة وأنها كثيرة الأموال ومملكة كبيرة فلما سمع الرسالة قال لمتولي خزانته: احضر لنا ألف دينار فأحضرها فقال لأستاذ داره والرسول حاضر عنده: أرسل هذا الكيس إلى السوق يشترون لنا بما فيه قطعة ثلج فقال أستاذ الدار يا مولانا هذه بلاد اليمن من أين يكون فيها ثلج. فقال: دعهم يشترون بها طبق مشمش لوزي. فقال: من أين يوجد هذا النوع هنا فجعل يعد عليه جميع أنواع فواكه دمشق وأستاذ الدار يظهر تعجبه من كلامه ولكما قال له عن نوع يقول له: يا مولانا من أين يوجد هذا هنا فلما استوفى الكلام إلى آخره قال للرسول: ليت شعري ماذا أصنع بهذه الأموال إذا لم أنتفع بها في ملاذي وشهواتي فإن المال لا يؤكل بعينه بل الفائدة فيه أنه يتوصل به الإنسان إلى بلوغ أغراضه.

ولعمري هل يصح أن تجعل أمثال هذه القصص حجة في أفضلية دمشق على غيرها من