للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العربية يروي المئات من القصائد للجاهلين والمخضرمين كما يروي فاتحة الكتاب ويذر أشعار العرب وأيامهم وأنسابهم ولغاتهم كأنه يروي قصة وكان ملوك بني أمية يرجعون إليه في هذا المعنى ويحلونه منزلة عالية من الآجلة والإكرام روى الوليد ابن يزيد الأموي قال له يوماً وقد حضر مجلسه: بم استحققت هذا الاسم فقيل لك الراوية فقال: بأني أروي لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به ثم أروي لأكثر منهم ممن تعترف أنك لا تعرفه ولا سمعت به ثم لا ينشدني أحد شعراً قديماً ولا محدثاً إلا ميزت القديم من المحدث فقال: ثم فكم مقدار ما تحفظ من الشعر قال: كثير ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام قال سأمتحنك في هذا ثم أمره بالإنشاد فأنشد حتى ضجر الوليد ثم وكل به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفى عليه فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهلية وأخبر الوليد بذلك فأمر له بمائة ألف درهم ونوادره كثيرة.

وكان الأصمعي المتوفى سنة ٢١١ أو قبلها صاحب لغة ونحو وإماماً في أخبار العرب وملحهم وغرائبهم قال عمر بن شبة: سمعت الأصمعي يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة وقال اسحق الموصلي: لم أرَ إلا الأصمعي يدعي شيئاً من العلم فيكون أحداً أعلم به منه وحضر يوماً عند الفضل بن الربيع هو وأبو عبيدة معمر بن المثنى فقال له: كم كتابك في الخيل فقال الأصمعي مجلد واحد فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال: خمسون مجلدة فقال له: قم إلى هذا الفرس وأمسك عضواً عضواً منه وسمه فقال: لست بيطاراً وإنما هذا شيءٌ أخذته عن العرب فقال للأصمعي: قم وافعل أنت ذلك فقام الأصمعي وامسك ناصيته وشرع يذكر عضواً عضواً ويضع يديه عليه وأنشد من قالت العرب فيه إلى أن فرغ منه قال: أبو حمدون الطيب بن إسماعيل شهدت ابن أبي العتاهية وقد كتب عن أبي محمد اليزيدي قريباً من ألف جلد عن أبي عمرو بن العلاء خاصة ويكون ذلك نحو عشرة آلاف ورقة لأن تقدير الجلد عشر ورقات.

قال أبو نواس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب منهم الخنساءُ وليلى فما ظنك بالرجال. قلت ولذلك جاء شعر أبي نواس أحسن شعر المولدين كما شهد له بذلك أصحاب الشأن في هذه الصناعة وفي مقدمتهم الجاحظ الذي فضل شعره على شعر العرب