للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

امتلأت رهباً قال: سمعت عن ثابت الغسائي عن مالك أن رسول الله قال: أن العالم إذا أراد وجه الله هابه كل شيء فإذا أراد أن يكنز الكنوز هاب كل شيءٍ. فقال أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ما أنت عليه قال ارددها على من ظلمته قال: والله ما أعطيك إلا ماورثته قال: لا حاجة لي فيها ازوها عني زوى الله عنك أوزارك قال فتقسمها قال فلعلي أن عدلت أن يقول بعض من لم يرزق منها لم يعدل ازوها عني وزى الله عنك أوزارك.

هذه السنة الصالحة انتشرت بين علماء المشرق فارتقت بهم الأمة وكان لها شأن كبير لأنهم كانوا يطلبون العلم للعلم وقد انتشرت هذه السنة الحميدة في عامة أمصار الشرق وشاعت أيضاً في بلاد الأندلس حتى في أيام تقهقرها. فقد ألف أحد العلماء الأندلسيين كتاباً في اللغة فبلغ ذلك مجاهداً العامري صاحب الجزائر جزائر ميورقة ومنورقة المعروفة الآن بجزائر الباليار فوجه للعالم بألف دينار وبكسوة وخلعة وتحف كثيرة وطلب منه أن يتكرم بوضع اسمه في صدر الكتاب وأنه ألفه برسمه. فرد المال وهو في حاجة إلى أقله وقال: كتاب صنفته لله ولنفع الناس لا أفرده لواحد منهم. ويقرب من هذا مالك من دينار فإنه ترفع عن الملوك ونصح اللصوص. دخل اللصوص داره فلم يجدوا شيئاً يسرقونه. ولما هموا بالخروج قال لهم ماذا عليكم لو صليتم ركعتين فتابوا وأنابوا وقد كان لهذه السجية في مصر شأن كبير فلا أحدثكم إلا بحادثة واحدة من هذا القبيل. فأنتم تعلمون من هو شيخ الإسلام زكريا الأنصاري فقد كان أهل الدولة يتسابقون إليه ويقبلون عليه وهو عنهم معرض أيما إعراض. مع أنه كان يقتات بقشور البطيخ الملقاة في الطريق ولا يكفيه النهار للدوس وليس لديه شيءٌ من الدنيا يقتني به مصباحاً لنفسه فكان يأخذ الكراريس ويدرس على ضوءِ القناديل المعلقة على أبواب البيوت.

وأمثال شيخ الإسلام كثيرون في مصر وغير مصر يطول بذكرهم المقام وربما كان في إيرادها ما يدعو إلى الملل والسآم غير أني أستميحكم الآن في ذكر نادرتين وأقول نادرتين لأنه بعد ذلك السلف قد خلف من بعدهم خلف فصار شمم العلماء وترفعهم بعلمهم في هذا الزمان الأخير كالكبريت الأحمر بل هو أندر.

فالأولى تقضي عليّ صلة الرحم أن أغتنم هذه الفرصة لإذاعتها ولست أخشى تكذيباً لها لأن الذين رأوها أو علموا بها علم اليقين لا يزالون أحياء يرزقون وهم في مصر كثيرون.