للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أساؤا فإن تعفوا فإنك قادر ... وأفضل حلم حسبة حلم مغضب

هذه الحرية التي اشتهرت بها الدولة الأموية في دمشق هي التي جعلت الناس أحراراً في أعمالهم وفي اعتقاداتهم فقد كان كثير هذا يقول بالرجعة على مذهب الهنود ويخالف الملة الإسلامية كلها في ذلك كما كان يخالف سنة الدولة ويتشيع لعلي ولكن الخلفاء عرفوا فضل الحرية فتركوا الناس يعتقدون كما يشاؤون ويكتفون منهم بتوحيد الكلمة من جهة السياسة.

إنني أيها السادة أرى الدين لم يخلق إلا ليقرب المخلوق من الخالق فلا يمكن ولا يجوز أن يكون الدين سبباً في ابتعاد المخلوق من المخلوق فالدين لله وللأمة الوطن فعلينا أن نتمسك بعروة الوطن ليعود لأمتنا فخارها السابق وتكون لنا منزلة سامية بين الخلائق. وقد بدت علينا علائم هذه النعمة المباركة فالواجب يقضي بتعهدها وإنمائها ليكون المسلم والمسيحي والإسرائيلي أخوة في الوطن فإنهم أخوة في الإنسانية أبوهم آدم والأم حواء أفنكون في هذا العصر الزاهر أقل احتمالاً وتسامحاً من أجدادنا الكرام في صدر الإسلام فقد وسعت صدورهم أهل الملل والنحل ووضعوا أيديهم في أيدي بعضهم بعضاً فكان منهم سور منيع لحفظ الدولة ورفع راية الوطن.

هذا صدر الدولة العربية قد وسع كثيراً من أمثال كثير وقد كان يقول بالتناسخ والرجعة ومع تشيعه كان يخالف جمهور أهل الشيعة فكان مخالفاً لأهل السنة ولأهل الشيعة ومع ذلك كان له في الدولة العربية ذلك المقام الكريم. كان يقول بإمامة محمد بن الحنيفة وأنه أحق من الحسن ومن الحسين ومن سائر الناس وأنه حي مقيم بجبل رضوى لا يموت. وكان يقول عن نفسه أنه يونس بن متى بمعنى أن روح هذا الذي التقمه النون نسخت فيه فصار هو هو. ولقد سأل يوماً ماذا تقول الناس عنه فقيل يقولون إنك الدجال فقال إني لأجد في عينيّ ضعفاًَ منذ أيام (إشارة إلى أن الدجال أعور كما يقال) وحينما حضرته الوفاة كان يقول لا تبكوا عليّ لأني بعد أربعين يوماً أرجع إليكم.

كل هذه الأقاويل لم تمنع الناس عن القول حينما مات هو وعكرمة في يوم واحد بعد الظهر: لقد مات أفقه الناس وأشعر الناس.

لم يكن كثير وحيداً في القول بالرجعة والتمتع بالحرية في الرأي فقد تمسك بمذهبه بعده كثيرون منهم السيد الحميري الشاعر المجيد وهو أبو هاشم اسمعيل بن محمد بن يزيد بن