للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأهلية في أنحاء السلطنة أقل من مليوني رجل كما وقع في ثورة فرنسا الأولى.

ولكن الله أراد لهذه الأمة الخير وقيض لها من رجال الدستور والمتفانين في الاحتفاظ به من كان إخلاصهم الداعي الأكبر في نجاحهم فقامت بعض ولايات الروم إيلي على ساق وقدم تطلب التطوع في الجندية للدفاع عن الدستور وهب جند الفيلق الثاني والثالث أي أدرنة وسلانيك ـ ومنهما انبعثت جذوة الحرية أول مرة ـ وزحفا في جموع المتطوعة على الأستانة بقيادة البطل المغوار محمود شوكت باشا الفاروقي البغدادي فاستوليا على المواقع الحربية في العاصمة في أسبوع وقبضوا على المنتفضين والعصاة من الجند المشاغب وخلعوا السلطان عبد الحميد مدبر تلك المكايد بفتوى من شيخ الإسلام أثبت عليه فيها قتل الأنفس البريئة ومخالفة الشرع وحرق كتب الإسلام والإسراف في مال الأمة وبايعوا باتفاق مجلس النواب والأعيان لولي عهده السلطان محمد الخامس وساقوا ذاك الذي عبث بمصلحة العثمانيين إلى قصر الأتيني في ضاحية سلانيك ليجري عليه ما جرى على كل سلطان مخلوع خان أمته ودولته بدون أن يلحقوا به إهانة. فحق للدولة والأمة أن تدعو بدوام نصر الجيش العثماني المظفر لأنه كان سبب حياتنا اليوم ولطالما كان هذا الجيش سبب رفع هذه الدولة العلية كما كان في بعض الأدوار سبب خفضها.

أعلن جيش الدستور الأحكام العرفية أي عطلت القوانين الموضوعة وجعلت العاصمة تحت الأحكام العسكرية ريثما يستتب الأمر لجيش الفاتح محمود شوكت باشا ويفتك بمن أضاعوا دينهم ودنياهم بممالاة السلطان المخلوع على رغائبه فشنق كثيرون ممن كان لهم ضلع في تشويش نظام الأمة وإهاجة العامة باسم الشريعة وحكم على بعضهم بالأشغال الشاقة وعلى البعض الآخر بالنفي وهكذا تمت الغلبة لكلمة الحق على الباطل وكتب البقاء للحكم النيابي في السلطنة آخر الدهر إن شاء الله.

فكرنا ملياً في أمر عبد الحميد وأردنا أن ننصفه في الترجمة فما رأينا له مزية يذكر بها ويرحم. بلى وجدناه حسوداً يحسد حتى خصيانه وأشق خبر يترامى إليه أن يعلم بأن في إحدى أطراف مملكته عالماً ينفع الناس بعلمه فيحتال عليه ليأتي به إلى الأستانة ليدفنه حياً فإن لم يقدر فلا أيسر عليه من التقول عليه وتزوير حيلة للانتقام منه والحط من كرامته. وكان إذا عزّ لا يلحق غباره نمرود وفرعون وإذا ذل وذله يكون للأدنياء غالباً ينسى