للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكتاب ووصفه. وقد قرأ الحكم هذه المصنفات وشرحها وحشاها وعلق عليها تعليقات تدل على طول باعه في تاريخ الأدب العربي. وبذل لأبي الفرج الأصفهاني من علماء العراق خمسة آلاف دينار ليخص الأندلس بتأليفه وهو عبارة عن دائرة معارف حوت أخبار الشعراء والمغنين. وكان العلماء من إسبانيا وغيرها ينهالون على قصره فيحسن فيه لقاءهم ويفرق عليهم الإحسان واشتهرت كلية قرطبة في العالم بأسره وإن لم تكن معروفة بأنها معهد رسمي للخلفاء أكثر من جميع الكليات العربية. وكان عبد الرحمن الثالث والحكم الثاني يحميان العلماء فيها من تعصب المتنطعين في العبادة. فيأتي الجامع الأعظم ألوف من الأندلسيين والأجانب من كل البلاد لاشتهاره بأنه معهد علمي وذلك من مدينة الأستانة إلى جرمانيا حيث كان هروفستا بقرطبة وهو فيديره. وفي ذاك الجامع كان أبو بكر بن معاوية القرشي يقريءُ الحديث النبوي وأبو علي القالي البغدادي يملي أماليه المشهورة الغنية بالنكات اللغوية والشعرية المأثورة عن العرب القدماء وابن قوطية أعلم نحوي في عصره يدرس النحو.

ورأى الحكم قبيل وفاته أن من الصعب على من بعده نشر المعارف بين الفقراء فأنشأ فيقرطبة سبعة وعشرين مدرسة ينفق على مدرسيها من ماله. ولئن كانت هذه المدارس الصغرى كالكليات لا تنطبق على ما نريده منها اليوم فكانت المدارس الابتدائية لتعليم القراءة وتفسير بعض آيات من القرآن ومع هذا كانت تشهد بما فطر عليه رعاياه من حب المعارف والتعليم.

وإن ذهاب الخلافة من الأندلس سنة ١٠٣١ وتقاسمها بين ملوك الطوائف سواء كانوا من أشراف الأسر العربية أو حذاق البربر لم يقف عثرة في سبيل هذه الحمية بل كان شأن عامة ملوك الطوائف شأن أولئك الأمراء في إيطاليا على زمن النهضة يحاولون أن يبرروا مظالمهم بحمايتهم للعلماء ولاسيما للشعراء الذين كانت أماديحهم وأهاجيهم عند العرب ذات شأن كبير حتى كان أعظم الخلفاء في بغداد ودمشق يحاول أن يسالمهم ليسالموه ويحسن إليهم ليمدحوه.

وتقدمت إشبيلية في تلك القصور الخالعة المتحضرة فكان المعتضد ابن عباد ابن القاضي أبي القاسم محمد مؤسس الدولة العبادية من الأمراء الظالمين المتهتكين يزرع الورد في