للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل نحلة قول حذاقهم وذوي أحلامهم لأن فيه دلالة على غيره وغنيّ عما سواه لكان نهج السبيل الأقوم.

ومن نقل كل ما يقال ترى في كتب التاريخ والملل والنحل أقوالاً إذا بحثت عنها لم تجدها إلا عند بعض أدنى العوام فكراً ولو عين المنقول إليه لسقط موقع القول من النفوس لكن بعض الناقلين لقصورهم في النظر ينقلون كل ما يقال بدون تعيين المنقول عنه ولو عينوا المنقول لسقط الإشكال. وكثيراً ما يقصد الحذاق منهم المغالطة ليوهموا الناظر أن في المسألة اختلافاً وهو محل دقيق جداً يغلط فيه التحرير العالم على أن بعضهم يرى أن لا ينقل من قوللا الحذاق إلا قول له موقع في النفس ومن ثم يقول القائل.

وليس كل خلاف جاء معتبراً ... الأخلاف له حظ من النظر

وإن أرباب النقد ليبحثون في كل قول عمن قاله ليعلموا درجة القائل في نفسه ودرجته في اقتداء الناس به وبذلك تظهر له الحقيقة في أجلى مظاهرها وقد قال حجة الإيلام الغزالي قولاً قاله كثير ممن قبله لو سكت من لا يعلم قلَّ الخلاف في العالم.

سألنا ذات يوم أحد العلماء العارفين عن السر في اختلاف المذاهب والمشاعب المنقولة فقال: وربما نجد في كتب الملل والنحل أسماءَ فرق لها أقوال غريبة يصعب عليك بعد التتبع الشديد أن تعرف في أي عصر وجدت وأين وجدت وكيف وجدت وفي أي قطر يوجد منهم أناس وإن زعم الزاعم انقراضها يعسر عليه إثبات زمان انقراضها وأغرب من ذلك صعوبة معرفة ترجمة رجل من حذاقها فذكر فرقة من هذا النوع يعد سخافة من الناقل. والذين لهم كتب في هذا المقام منهم الناقل غير الناقد ومنهم المموه لغلبة الهوى عليه في هذا الباب مثلاً لكفينا المؤنة في ذلك نعم يقال أن الجاحظ قد يسلك طرق التمويه كما سجل عليه ذلك بعض معاصريه من أبناء نحلته كأبي جعفر الإسكافي لكن تمويه الجاحظ تمويه عاقل ذي بصيرة إذا موه يكاد يظهر الحق من خلال تمويهه وقد يصرح بغير ذلك في موضع آخر فالعاقل ذو البصيرة ينتفع بكلامه كيف كان قال ومن يخلط في نقله كالطبيب الذي ينقل كل قول لا يعود أحد يعتدُّ بمنقوله وكذلك النحوي وغيره وهذه القاعدة تكاد تكون عامة لا تتخلف في كل فن فقد نقل ابن أبي الحديد أن الجاحظ ألف كتاباً سماه كتاب العثمانية انتصر فيه للخلفاء الراشدين إلا أنه أظهر فيه ما يشعر بالنصب لما اقتضته طينة