للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيار حتى ملت نفوس العرب هذه الحال وسئمت ممارسة الحرب ورأوا أنفسهم اتباع ضحايا لقحطان وعدنان تزهق في سبيل المتنازعين على الخلافة من قريش حتى قال قائلهم:

تولت قريش لذة العيش واتقت=بنا كل فج من خراسان اغبرا

فليت قريشاً أصبحوا ذات ليلة=يعومون في لج من البحر أحضرا

لا جرم أن الذي بث روح الشقاق بين العرب في خراسان إنما هم أهل الدعوة الهاشمية ٣ من علويين وعباسيين والذي أنجح قصد أبي مسلم في نشر الدعوة العباسية وقلب الدولة الأموية تواطؤ سكان البلاد الأصليين على قهر الأمويين وفل عصبيتهم العربية وقد عرف ابراهيم الإمام منازع الفرس وعلم أن دولته تقوم بغير العرب من الناقمين منهم وأن العرب شديدو العصبة للأمويين لاصطباغهم بالصبغة العربية الخالصة فكتب فيما كتب إلى أبي مسلم أن لا يبقي على عربي في خراسان أن استطاع فجعل رجال الدعوة يضربون العرب بعضهم ببعض لأن قسماً كبيراً منهم ممن نقم من الأمويين قبل الدعوة وصار من القائمين بها العاملين على تشييد دعائمها تعبداً واعتقاداً.

هكذا أثمر الغرس الديني الذي غرسه قبل ذلك بقرن ابن سبأ وإضرابه من الموالي الناقمين من الدولة السائدة واستحال على العرب في المشرق استبقاء السلطة خالصة لهم دون الأمم الأخرى المحكومة منهم وقد جرت سنة الوجود هذا المجرى في كثير من الأمم من قبل.

قال مونتسكيو: اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون للمالك حدود طبيعية تمسك باعنة الملوك عن تجاوز هذه الحدود وتعدي بعضهم على بعض ولما تجاوز هذه الحدود الرومانيون أهلكهم البرث أي قدماء الفرس وبددوا شملهم ولما تجاوزها البرث أنفسهم اضطروا لأول أمرهم للرجوع إلى أراضيهم.

وأقول أن العرب أصيبوا بما أصيب به الرومان والبرث وطبائع الاجتماع تعذر أولئك الأقوام على ما فعلوه مع العرب وحسب العرب أن نشروا بينهم دين الإسلام فلا مؤاخذة ولا ملام ولاسيما أن الإسلام يرمي بطبيعته إلى محو الحدود السياسية والجنسية بين الشعوب كما ترمي إلى مثل هذا مبادئ جماعات السوسيا لست أو الاشتراكيين أو الاجتماعيين لهذا العهد.