للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المالية التي وقعت منذ ثلاثين سنة في فينا وبرلين ولندرا وحدث عنها إفلاس عظيم في الطبقات العالية والوسطى مما يثبت نتائج البورصة السيئة وما هي إلا بنت البذخ والزهو الجنوني في عصرنا.

ولقد حدت الحال بالأمم أن ترقي درجة التعليم العام بداعي الجهاد المستمر العظيم في معترك الحياة الحاضرة فأخذوا يملأون رؤوس التلامذة الذين يتأهلون للصناعات العلمية والأدبية بأنواع المعارف فتضيق عن استيعابها ولا تقوى أجسادهم على تحمل ما ينهال عليها ويصرف من دقائقها فيصابون بأمراض طبيعية وعقلية وتضعف تراكيبهم عن تتميم وظائفها وتضطرب تغذيتهم والمساعدات على تراكيبهم النامية.

والأمم التي تزعم أنها في مقدمة الحضارة والقيمة على أسبابها هي التي تجتهد كل الجهاد في هذا المعنى فتنفق النفقات الطائلة لتزيد في ترقية الشبان وإنارة عقولهم وزيادة عدد المدارس وتحسين مواد التعليم العالي والوسط والابتدائي. ولا يفوتنا النظر زيادة على ما ذكر من القوانين الفيسيولوجية (المختصة بوظائف الأعضاء) أن نفوذ القوى العقلية متوقف على كمية الأكسجين التي يحملها الدم إلى الدماغ وعلى الهواء الصافي الذي توفرت فيه مادة الأكسجين يشاركهما على تحسين مجرى الرئة وهو السبب الضروري لسلامة الوظائف العقلية. فإذا بطل هذا الشرط وأضيف إليه تهييج القوى العصبية الناتج من شغل عقلي طويل وخصوصاً في بعض التراكيب والأعمار يضعف مجرى الدم ويؤدي بالتدريج إلى الفقر الدموي الدماغي وإلى إنهاك القوة الفكرية ويبدأ ذلك بضعف الذاكرة وعدم الإمكان في تحديق النظر في الموضوعات المهمة والشبان الذين يتعاطون العلم يصابون غالباً بسوس الأسنان وقد ثبت لأحد أطباء برلين من إحصاء خمس سنين أن ثمانين في المائة ممن تقدموا ليكونوا متطوعين في الجيش مدة سنة لم يكونوا صالحين للخدمة.

والفتيات اللاتي ينصرفن إلى الأشغال العقلية يصبن أيضاً بما يصاب به الفتيان من ضعف الدم والأمراض العصبية المختلفة وخصوصاً في سن البلوغ لان حالة المجتمع الحديث أصبحت تقضي على الفتيات أن ينصرفن جملة إلى الكد وإنهاك القوى للتغلب على رنق الحياة ومنهن من لا يجتهدن على هذا النحو إلا مجاراة لرغائب والداتهن أو عملاً بما يقتضيه التقليد. وإذا كان معظمهن عائشات غالباً في المحال المزدحمة ولا تسمح لهن